تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٣٢
نوعا منه وقرئ يبشرك من الإبشار ويبشرك من الثلاثي وأيا ما كان ينبغي أن يكون هذا الكلام إلى آخره محكيا بعبارته عن الله عز وجل على منهاج قوله تعالى «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة» الآية كما يلوح به مراجعته عليه الصلاة والسلام في الجواب إليه تعالى بالذات لا بواسطة الملك والعدول عن إسناد التبشير إلى نون العظمة حسبما وقع في سورة مريم للجرى على سنن الكبرياء كما في قول الخلفاء أمير المؤمنين يرسم لك بكذا وللإيذان بأن ما حكى هناك من النداء والتبشير وما يترتب عليه من المحاورة كان كل ذلك بتوسط الملك بطريق الحكاية عنه سبحانه لا بالذات كما هو المتبادر وبهذا يتضح اتحاد المعنى في السورتين الكريمتين فتأمل ويحيى اسم أعجمي وإن جعل عربيا فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل روى عن ابن عباس رضى الله عنهما إنما سمى يحيى لأن الله تعالى أحيا به عقر أمه وقال قتادة لأنه تعالى أحيا قلبه بالإيمان قال القرطبي كان اسمه في الكتاب الأول حيا ولا بد من تقدير مضاف يعود إليه الحال أي بولادة يحيى فإن التبشير لا يتعلق بالأعيان «مصدقا» حال مقدرة من يحيى «بكلمة من الله» أي بعيسى عليه الصلاة والسلام وإنما سمى كلمة لأنه وجد بكلمة كن من غير أب فشابه البديعيات التي هي عالم الأمر ومن لابتداء الغاية مجازا متعلقة بمحذوف وقع صفة لكلمة أي بكلمة كائنة منه تعالى قيل هو أول من آمن به وصدق بأنه كلمة الله وروح منه وقال السدي لقيت أم يحيى أم عيسى فقالت يا مريم أشعرت بحبلى فقالت مريم وأنا أيضا حبلى قالت فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله تعالى مصدقا بكلمة الخ وقال ابن عباس رضي الله عنهما أن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما الصلاة والسلام بستة أشهر وقيل بثلاث سنين وقتل قبل رفع عيسى عليهما الصلاة والسلام بمدة يسيرة وعلى كل تقدير يكون بين ولادة يحيى وبين البشارة بها زمان مديد لما ان مريم ولدت وهي بنت ثلاث عشرة سنة أو بنت عشر سنين وقيل بكلمة من الله أي بكتاب الله سمى كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته «وسيدا» عطف على مصدقا أي رئيسا يسود قومه ويفوقهم في الشرف وكان فائقا للناس قاطبة فإنه لم يلم بخطيئة ولم يهم بمعصية فيا لها من سيادة ما أسناها «وحصورا» عطف على ما قبله أي مبالغا في حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع القدرة روى أنه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت «ونبيا» عطف على ما قبله مترتب على ما عدد من الخصال الحميدة «من الصالحين» أي ناشئا منهم لأنه كان من أصلاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو كائنا من جملة المشهورين بالصلاح كما في قوله تعالى «وإنه في الآخرة لمن الصالحين» والمراد بالصلاح ما فوق الصلاح الذي لا بد منه في منصب النبوة البتة من أقاصي مراتبه وعليه مبنى دعاء سليمان عليه السلام «وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين» «قال» استئناف مبنى على السؤال كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه الصلاة والسلام حينئذ فقيل قال «رب» لم يخاطب الملك المنادى له بملابسة أنه المباشر للخطاب وإن كان ذلك بطريق الحكاية عنه تعالى بل جرى على نهج دعائه السابق مبالغة في التضرع والمناجاة وجدا في التبتل إليه تعالى واحترازا عما عسى يوهم
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254