مندرج تحت الإيمان بالكتاب المنزل على رسوله وأن أحكام كل منها كانت حقه ثابتة إلى ورود ما نسخها وأن ما لم ينسخ منها إلى الآن من الشرائع والأحكام ثابتة من حيث أنها من أحكام هذا الكتاب الجليل المصون عن النسخ والتبديل كما مر في تفسير خاتمة سورة البقرة وقرئ نزل وأنزل على البناء للمفعول وقيل هو خطاب لمؤمني أهل الكتاب لما أن عبد الله بن سلام وابن أخته سلامة وابن أخيه سلمة وأسدا وأسيدا ابني كعب وثعلبة بن قيس ويامين بن يامين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فقال صلى الله عليه وسلم بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله فقالوا لا نفعل فنزلت فآمنوا كلهم فامرهم بالإيمان بالكتاب المتناول للتوراة مع أنهم مؤمنون بها من قبل ليس لكون المراد بالإيمان ما يعم إنشاءه والثبات عليه ولا لأن متعلق الأمر حقيقة هو الإيمان بما عداها كأنه قيل آمنوا بالكل ولا تخصوه بالبعض بل لأن المأمور به إنما هو الإيمان بها في ضمن الإيمان بالقرآن على الوجه الذي أشير إليه آنفا لا إيمانهم السابق ولأن فيه حملا لهم على التسوية بينهما وبين سائر الكتب في التصديق لاشتراك الكل فيما يوجبه وهو النزول من عند الله تعالى وقيل خطاب لأهل الكتابين فالمعنى آمنوا بالكل لا ببعض دون بعض وأمر كل طائفة بالإيمان بكتابه في ضمن الأمر بالإيمان بجنس الكتاب لما ذكر وقيل هو للمنافقين فالمعنى آمنوا بقلوبكم لا بألسنتكم فقط «ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر» أي بشئ من ذلك «فقد ضل ضلالا بعيدا» عن المقصد بحيث لا يكاد يعود إلى طريقة وزيادة الملائكة واليوم الآخر في جانب الكفر لما أن بالكفر بأحدهما لا يتحقق الإيمان أصلا وجمع الكتب والرسل لما أن الكفر بكتاب أو برسول كفر بالكل وتقديم الرسول فيما سبق لذكر الكتاب بعنوان كونه منزلا عليه وتقديم الملائكة والكتب على الرسل لأنهم وسايط بين الله عز وجل وبين الرسل في إنزال الكتب «إن الذين آمنوا» قال قتادة هم اليهود آمنوا بموسى «ثم كفروا» بعبادتهم العجل «ثم آمنوا» عند عودة إليهم «ثم كفروا» بعيسى والإنجيل «ثم ازدادوا كفرا» بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل هم قوم تكرر منهم الارتداد وأصروا على الكفر وازدادوا تماديا في الغى «لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا» لما أنه يستبعد منهم أن يتوبوا عن الكفر ويثبتوا على الإيمان فإن قلوبهم قد ضربت بالكفر وتمرنت على الردة وكان الإيمان عندهم أهون شئ وأدونه لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم وخبر كان محذوف أي مريدا ليغفر لهم وقوله عز وجل «بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما» يدل على أن المراد بالمذكورين الذين آمنوا في الظاهر نفاقا وكفروا في السر مرة بعد أخرى ثم ازدادوا كفرا ونفاقا ووضع
(٢٤٣)