«ومن يعمل من الصالحات» أي بعضها أو شيئا منها فإن كل أحد لا يتمكن من كلها وليس مكلفا بها «من ذكر أو أنثى» في موضع الحال من المستكن في يعمل ومن للبيان أو من الصالحات فمن للابتداء أي كائنة من ذكر الخ «وهو مؤمن» حال شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثواب المذكور تنبيها على أنه لا اعتداد به دونه «فأولئك» إشارة إلى من بعنوان اتصافه بالايمان والعمل الصالح والجمع باعتبار معناها كما أن الافراد فيما سبق باعتبار لفظها وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة من الاشعار بعلو رتبة المشار اليه وبعد منزلته في الشرف «يدخلون الجنة» وقرئ يدخلون مبنيا للمفعول من الادخال «ولا يظلمون نقيرا» لا ينقصون شيئا حقيرا من ثواب اعمالهم فإن النقير علم في القلة والحقارة وإذا لم ينقص ثواب المطيع فلأن لا يزاد عقاب العاصي أولى وأحرى كيف لا والمجازي أرحم الراحمين وهو السر في الاقتصار على ذكره عقيب الثواب «ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله» أي أخلص نفسه له تعالى لا يعرف له ربا سواه وقيل بذل وجهه له في السجود وقيل أخلص عمله له عز وجل وقيل فوض أمره اليه تعالى وهذا انكار واستبعاد لأن يكون أحد أحسن دينا ممن فعل ذلك أو مساويا له وان لم يكن سبك التركيب متعرضا لإنكار المساواة ونفيها يرشدك اليه العرف المطرد والاستعمال الفاشي فإنه إذا قيل من أكرم من فلان أولا أفضل من فلان فالمراد به حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل وعليه مساق قوله تعالى ومن أظلم ممن افترى ونظائره ودينا نصب على التمييز من أحسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن دينه أحسن من دين من أسلم الخ فالتفضيل في الحقيقة جار بين الدينين لا بين صاحبيهما ففيه تنبيه على أن ذلك أقصى ما تنتهى اليه القوة البشرية «وهو محسن» أي آت بالحسنات تارك للسيئات أو آت بالأعمال الصالحة على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والجملة حال من فاعل اسلم «واتبع ملة إبراهيم» الموافقة لدين الاسلام المتفق عل صحتها وقبولها «حنيفا» مائلا عن الأديان الزائغة وهو حال من فاعل اتبع أو من إبراهيم «واتخذ الله إبراهيم خليلا» اصطفاه وخصه بكرامات تشبه كرامات الخليل عند خليله واظهاره صلى الله عليه وسلم في مواقع الاضمار لتفخيم شأنه والتنصيص على أنه الممدوح وتأكيد استقلال الجملة الاعتراضية والخلة من الخلال فإنه ود تخلل النفس وخالطها وقيل من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر أو من الخل وهو الطريق في الرمل فإنهما يتوافقان في الطريقة أو من الخلة
(٢٣٦)