تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٢ - الصفحة ٢١٩
فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فاطلبوا بيان هذا الأمر البين وقيسوا حاله بحالكم وافعلوا به ما فعل بكم في أوائل أموركم من قبول ظاهر الحال من غير وقوف على تواطؤ الظاهر والباطن هذا هو الذي تقتضيه جزالة التنزيل وتستدعيه فخامة شأنه الجليل ومن حسب أن المعنى أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم فمن الله عليكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم فيه وإن صرتم أعلاما فيه فعليكم ان تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكافة ولا تقولوا الخ فقد أبعد عن الحق لأن المراد كما عرفت أن تحصين الدماء والأموال حكم مترتب على ما فيه المماثلة بينه وبينهم من مجرد التفوه بكلمة الشهادة وإظهار أن ترتبه عليه في حقهم يقتضى ترتبه عليه في حقه أيضا إلزاما لهم وإظهارا لخطئهم ولا يخفى أن ذلك إنما يتأتى بتفسير منه تعالى عليهم المترتب على كونهم مثله بتحصين دمائهم وأموالهم حسبما ذكر حتى يظهر عندهم وجوب تحصين دمه وماله أيضا بحكم المشاركة فيما يوجبه وحيث لم يفعل ذلك بل فسره بما فسره به لم يبق في النظم الكريم ما يدل على ترتب تحصين دمائهم وأموالهم على ما ذكر فمن أين له أن يقول فحصنت دماءكم وأموالكم حتى يتأتى البيان وارتكاب تقديره بناء على اقتضاء ما ذكر في تفسير المن إياه بناء على أساس واه كيف لا وإنما ذكره بصدد التفسير وإن كان أمرا متفرعا على ما فيه المماثلة مبنيا عليه في حقهم لكنه ليس بحكم أريد إثباته في وجوب بناء على ثبوته في حقهم كالتحصين المذكور حتى يستحق أن يتعرض له ولا بأمر له دخل في وجوب اعتبار ظاهر الإسلام من الداخلين فيه حتى يصح نظمه في سلك ما فرع عليه قوله فعليكم أن تفعلوا الخ وحمل الكلام على معنى أنكم في أول الأمر كنتم مثله في قصور الرتبة في الإسلام فمن الله عليكم وبلغتم هذه الرتبة العالية منه فلا تستقصروا حالته نظرا إلى حالتكم هذه بل اعتدوا بها نظرا إلى حالتكم السابقة يرده أن قتله لم يكن لاستقصار إسلامه بل لتوهم عدم مطابقة قلبه للسانه فإن الآية الكريمة نزلت في شأن مرداس ابن نهيك من أهل فدك وكان قد أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم غالب ابن فضالة الليثي فهربوا وبقى مرداس لثقته بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا وأكبر وقال لا أله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجدا شديدا وقال قتلتموه إرادة ما معه فقال أسامة بن زيد إنه قال بلسانه دون قلبه وفي رواية أنما قالها خوفا من السلاح فقال صلى الله عليه وسلم هلا شققت عن قلبه وفي رواية أفلا شققت عن قلبه ثم قرأ الآية على أسامة فقال يا رسول الله استغفر لي فقال كيف بلا إله ألا الله قال أسامة فما زال صلى الله عليه وسلم يعيدها حتى وددت أن لم أكن أسلمت إلا يومئذ ثم استغفر لي وقال اعتق رقبة وقيل نزلت في رجل قال يا رسول الله كنا نطلب القوم وقد هزمهم الله تعالى فقصدت رجلا فلما أحس بالسيف قال إني مسلم فقتلته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلت مسلما قال إنه كان متعوذا فقال صلى الله عليه وسلم أفلا شققت عن قلبه «إن الله كان بما تعملون» من الأعمال الظاهرة والخفية وبكيفياتها «خبيرا» فيجازيكم بحسبها إن خيرا فخير وإن شرا فشر فلا تتهاونوا في القتل واحتاطوا فيه والجملة تعليل لما قبلها بطريق الاستئناف وقرئ بفتح
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (3 - سورة آل عمران) 2
2 قوله تعالى: قل أنبئكم بخير من ذلكم اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار. 15
3 قوله تعالى: إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين. 25
4 قوله تعالى: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله 40
5 (الجزء الرابع) قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل نفسه من قبل أن تنزل التوراة 58
6 قوله تعالى: من أهل الكتاب أمة قائمة يتلوا آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. 72
7 قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. 85
8 قوله تعالى: إذ تصعدون ولا تتلون على أحد والرسول يدعوكم. 100
9 قوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم 123
10 (4 - سورة النساء) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي من نفس واحدة. 137
11 قوله تعالى: ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد. 151
12 (الجزء الخامس) قوله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم. 163
13 قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. 175
14 قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها. 201
15 قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا. 212
16 قوله تعالى: ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة. 224
17 قوله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس. 232
18 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط. 242
19 (الجزء السادس) قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. 247
20 قوله تعالى: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده. 254