التنكير بطريق الإبهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة فقيل ما قيل ولله در شأن التنزيل وإما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات على أن المراد بالتفضيل الأول ما خولهم الله تعالى عاجلا في الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة وبالتفضيل الثاني ما أنعم به في الآخرة من الدرجات العالية الفائتة للحصر كما ينبئ عنه تقديم الأول وتأخير الثاني وتوسيط الوعد بالجنة بينهما كأنه قيل وفضلهم عليهم في الدنيا درجة واحدة وفي الآخرة درجات لا تحصى وقد وسط بينهما في الذكر ما هو متوسط بينهما في الوجود أعني الواعد بالجنة توضيحا لحالهما ومسارعة إلى تسلية المفضول والله سبحانه اعلم هذا ما بين المجاهدين وبين القاعدين غير أولى الضرر وأما أولوا الضرر فهم مساوون للمجاهدين عند القائلين بمفهوم الصفة وبأن الاستثناء من النفي إثبات وأما عند من لا يقول بذلك فلا دلالة لعبارة النص عليه وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرار أو غيره وبعبارة أخرى إن في المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر قالوا هذه المساواة مشروطة بشريطة أخرى سوى الضرر قذ ذكرت في قوله تعالى «ليس على الضعفاء ولا على المرضى» إلى قوله «إذا نصحوا لله ورسوله» وقيل القاعدون الأول هم الأضراء والثاني غيرهم وفيه من تفكيك النظم الكريم ما لا يخفى ولا ريب في أن الأضراء من غيرهم درجة كما لا ريب في أنهم دون المجاهدين بحسب الدرجة الدنيوية «وكان الله غفورا رحيما» تذليل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة «إن الذين توفاهم الملائكة» بيان لحال القاعدين عن الهجرة إثر بيان حال القاعدين عن الجهاد وتوفاهم يحتمل أن يكون ماضيا ويؤيده قرأ توفتهم وأن يكون مضارعا قد حذف منه احدى التاءين واصله تتوفاهم على حكاية الحال الماضية والقصد إلى استحضار صورتها ويعضده قراءة من قرأ توفاهم على مضارع وفيت بمعنى أن الله تعالى يوفى الملائكة أنفسهم فيتوفونها أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها «ظالمي أنفسهم» حال من ضمير توفاهم فإنه وإن كان مضافا إلى المعرفة الا أنه نكرة في الحقيقة لأن المعنى على الانفصال وان كان موصولا في اللفظ كما في قولة تعالى غير محلى الصيد وهديا بالغ الكعبة وثاني عطفه أي محلين الصيد وبالغا الكعبة وثانيا عطفه كأنه قيل ظالمين أنفسهم وذلك بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للإخلال بأمور الدين فإنها نزلت في ناس من مكة قد اسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة «قالوا» أي الملائكة للمتوفين تقريرا لهم بتقصيرهم في إظهار إسلامهم وإقامة احكامه من الصلاة ونحوها وتوبيخها لهم بذلك «فيم كنتم» أي في أي شئ كنتم من أمور دينكم «قالوا» استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية سؤال الملائكة كأنه قيل فماذا قالوا في الجواب فقيل قالوا متجانفين عن الإقرار
(٢٢٢)