وتأكيد استحالة الهداية بما ذكر في حيز الصلة وتوجيه الإنكار إلى الإرادة لا إلى متعلقها بأن يقال أتهدون الخ للمبالغة في إنكاره ببيان أنه مما لا يمكن إرادته فضلا عن إمكان نفسه وحمل الهداية والإضلال على الحكم بهما يأباه قوله تعالى «ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا» أي ومن يخلق فيه الضلال كائنا من كان فلن تجد له سبيلا من السبل فضلا عن أن تهديه إليه وفيه من الإفصاح عن كمال الاستحالة ما ليس في قوله تعالى «ومن يضلل الله فما له من هاد» ونظائره وحمل إضلاله تعالى على حكمه وقضائه بالضلال مخل بحسن المقابلة بين الشرط والجزاء وتوجيه الخطاب إلى كل واحد من المخاطبين للإشعار بشمول عدم الوجدان للكل على طريق التفصيل والجملة إما حال من فاعل تريدون أو تهتدوا والرابط هو الواو أو اعتراض تذييلى مقرر للإنكار السابق ومؤكده لاستحالة الهداية فحينئذ يجوز أن يكون الخطاب لكل أحد ممن يصلح له من المخاطبين أولا ومن غيرهم «ودوا لو تكفرون» كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم في الكفر وتصديهم لإضلال غيرهم إثر بيان كفرهم وضلالهم في أنفسهم وكلمة لو مصدرية غنية عن الجواب وهى مع ما بعدها نصب على المفعولية أي ودوا أن تكفروا وقوله تعالى «كما كفروا» نصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي كفر مثل كفرهم أو حال من ضمير ذلك المصدر كما هو رأى سيبويه وقوله تعالى «فتكونون سواء» عطف على تكفرون داخل في حكمه أي ودوا أن تكفروا فتكونوا سواء مستوين في الكفر والضلال وقيل كلمة لو على بابها وجوابها محذوف كمفعول ودوا لتقدير ودوا كفركم لو تكفرون كما كفروا لسروا بذلك «فلا تتخذوا منهم أولياء» الفاء جواب شرط محذوف وجمع أولياء لمراعاة جمع المخاطبين فإن المراد نهى ان يتخذ واحد من المخاطبين وليا واحدا منهم أي إذا كان حالهم ما ذكر من ودادة كفركم فلا توالوهم «حتى يهاجروا في سبيل الله» أي حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانهم بهجرة كائنة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لا لغرض من أغراض الدنيا «فإن تولوا» أي عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة «فخذوهم» أي إذا قدرتم عليهم «واقتلوهم حيث وجدتموهم» من الحل والحرم فإن حكمهم حكم سائر المشركين أسرا وقتلا «ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا» أي جانبوهم مجانبة كلية ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة أبدا «إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق» استثناء من قوله تعالى «فخذوهم واقتلوهم» أي إلا الذين يتصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم ولم يحاربوكم وهم الأسلميون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت
(٢١٣)