كانوا يقفون من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر على أمن ووثوق بالظهور على بعض الأعداء أو على خوف فيذيعونه فينتشر فيبلغ الأعداء فتعود إذاعتهم مفسدة ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر وفوضوه إليهم وكانوا كأن لم يسمعوا العلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون وما يذرون فيه وقيل كانوا يسمعون من أفواه المنافقين شيئا من الخبر عن السرايا مظنونا غير معلوم الصحة فيذيعونه فيعود ذلك وبالا على المؤمنين ولو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أولى الأمر وقالوا نسكت حتى نسمعه منهم ونعلم هل هو مما يذاع أو لا يذاع لعلم صحته وهل مما يذاع أولا يذاع هؤلاء المذيعون وهم الذين يستنبطونه من الرسول وأولى الأمر أي يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم فمساق النظم الكريم حينئذ لبيان جناية تلك الطائفة وسوء تدبيرهم إثر بيان جناية المنافقين ومكرهم والخطاب في قوله تعالى «ولولا فضل الله عليكم ورحمته» للطائفة المذكورة على طريقة الالتفات أي لولا فضله تعالى عليكم ورحمته بإرشادكم إلى طريق الحق الذي هو المراجعة في مظان الاشتباه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأولى الأمر «لاتبعتم الشيطان» وعملتم بآراء المنافقين فيما تأتون وما تذرون ولم تهتدوا إلى سنن الصواب «إلا قليلا» وهم أولو الأمر الواقفون على أسرار الكتاب الراسخون في معرفة أحكامه فالاستثناء منقطع وقيل ولولا فضله تعالى عليكم ورحمته بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لاتبعتم الشيطان وبقيتم على الكفر والضلالة إلا قليلا منكم قد تفضل عليه بعقل راجح اهتدى به إلى طريق الحق والصواب وعصمه من متابعة الشيطان كقس ابن ساعدة الأيادى وزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وأضرابهم فالخطاب للكل والاستثناء متصل وقيل المراد بالفضل والرحمة النصرة والظفر بالأعداء أي ولولا حصول النصر والظفر على التواتر والتتابع لاتبعتم الشيطان وتركتم الدين إلا قليلا منكم وهم أولوا البصائر الناقدة والنيات القوية والعزائم الماضية من أفاضل المؤمنين الواقفين على حقية الدين البالغين إلى درجة حق اليقين المستغنين عن مشاهدة آثار حقيته من الفتح والظفر وقيل إلا اتباعا قليلا «فقاتل في سبيل الله» تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الالتفات وهو جواب شرط محذوف ينساق إليه النظم الكريم أي إذا كان الأمر كما حكى من عدم طاعة المنافقين وكيدهم وتقصير الآخرين في مراعاة أحكام الإسلام فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا وقوله تعالى «لا تكلف إلا نفسك» أي إلا فعل نفسك استئناف مقرر لما قبله فإن اختصاص تكليفه صلى الله عليه وسلم بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده وفيه دلالة على أن ما فعلوا من التثبيط لا يضره صلى الله عليه وسلم ولا يؤاخذ به وقيل هو حال من فاعل قاتل أي فقاتل غير مكلف إلا نفسك وقرئ لا تكلف بالجزم على النهى وقيل على جواب الأمر وقرئ بنون العظمة أي لا نكلفك إلا فعل نفسك لا على معنى لا نكلف أحدا إلا نفسك «وحرض المؤمنين» عطف على الأمر السابق داخل في حكمه فإن كون حال الطائفتين كما
(٢٠٩)