ليتحروا بالإنفاق مراضيه تعالى وثوابه وهم مشركو مكة المنفقون أموالهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل المنافقون «ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا» أي فقرينهم الشيطان وإنما حذف للإيذان بظهوره واستغنائه عن التصريح به والمراد به إبليس وأعوانه حيث حملوها على تلك القبائح وزينوها لهم كما في قوله تعالى «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين» ويجوز ان يكون وعيدا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار «وماذا عليهم» أي على من ذكر من الطوائف «لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا من ما رزقهم الله» أي ابتغاء لوجه الله تعالى وإنما لم يصرح به تعويلا على التفصيل السابق واكتفاء بذكر الإيمان بالله واليوم الآخر فإنه يقتضى أن يكون الأنفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة أي ما الذي عليهم أو وأي تبعه ووبال عليهم في الإيمان بالله والإنفاق في سبيله وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد في الشئ بخلاف ما هو عليه وتحريض على التفكر لطلب الجواب لعله يؤدى بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة والعوائد الجميلة وتنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا كان فيه منافع لا تحصى وتقديم الإيمان بهما لأهمية في نفسه ولعدم الاعتداد بالإنفاق بدونه وإما تقديم إنفاقهم رئاء الناس على عدم إيمانهم بهما مع كون المؤخر أقبح من المقدم فلرعاية المناسبة بين إنفاقهم ذلك وبين ما قبله من بخلهم وأمرهم للناس به «وكان الله بهم» وبأحوالهم المحققة «عليما» فهو وعيد لهم بالعقاب أو بأعمالهم المفروضة فهو بيان لإثابته تعالى إياهم لو كانوا قد آمنوا وأنفقوا كما ينبئ عنه قوله تعالى «إن الله لا يظلم مثقال ذرة» المثقال مفعال من الثقل كالمقدار من القدر وانتصابه على أنه نعت للمفعول قائم مقامه سواء كان الظلم بمعنى النقص أو بمعنى وضع الشئ في غير موضعه أي لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب شيئا مقدار ذرة أو على انه نعت للمصدر المحذوف نائب منابه أي لا يظلم ظلما مقدار ذرة وهي النملة الصغيرة أو كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة وهو الأنسب بمقام المبالغة فإن قلته في الثقل أظهر من قلة النملة فيه وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه أدخل يده في التراب ثم نفخ فيه فقال كل واحد من هؤلاء ذرة «وإن تك حسنة» أي وإن تك مثقال ذرة حسنة أنث لتأنيث الخبر أو لإضافته إلى الذرة وحذف النون من غير قياس تشبيها بحروف العلة وتخفيفا لكثرة الاستعمال وقرئ حسنة بالرفع على أن كان تامة «يضاعفها» أي يضاعف ثوابها جعل ذلك مضاعفة لنفس الحسنة تنبيها على كمال الاتصال بينهما كأنهما شئ واحد وقرئ يضعفها وكلاهما بمعنى واحد وقرئ نضاعفها بنون العظمة على طريقة الالتفات عن عثمان النهدي أنه قال لأبى هريرة رضى الله عنه بلغني عنك انك تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله تعالى يعطى عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة قال أبو هريرة لابل سمعته صلى الله عليه وسلم يقول
(١٧٧)