كأنه قيل لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنه موجب للعقاب الا ما قد مضى فإنه معفو عنه وقيل هو استثناء منقطع معناه لكن ما قد سلف لا مؤاخذة عليه لا أنه مقرر ويأباهما قوله تعالى «إنه كان فاحشة ومقتا» فإنه تعليل للنهي وبيان لكون المنهي عنه في غاية القبح مبغوضا أشد البغض وأنه لم يزل في حكم الله تعالى وعلمه موصوفا بذلك ما رخص فيه لأمة من الأمم فلا يلائم أن يوسط بينهما ما يهون أمره من ترك المؤاخذة على ما سلف منه «وساء سبيلا» في كلمة ساء قولان أحدهما أنها جارية مجرى بئس في الذم والعمل ففيها ضمير مبهم يفسره ما بعده والمخصوص بالذم محذوف تقديره وساء سبيلا سبيل ذلك النكاح كقوله تعالى بئس الشراب أي ذلك الماء وثانيهما أنها كسائر الأفعال وفيها ضمير يعود إلى ما عاد اليه ضمير أنه وسبيلا تمييز والجملة اما مستأنفة لا محل لها من الاعراب أو معطوفة على خبر كان محكية بقول مضمر هو المعطوف في الحقيقة تقديره ومقولا في حقه ساء سبيلا فإن ألسنة الأمم كافة لم تزل ناطقة بذلك في الاعصار والأمصار قيل مراتب القبح ثلاث القبح الشرعي والقبح العقلي والقبح العادي وقد وصف الله تعالى هذا النكاح بكل ذلك فقوله تعالى فاحشة مرتبة قبحه العقلي وقوله تعالى ومقتا مرتبة قبحه الشرعي وقوله تعالى وساء سبيلا مرتبة قبحه العادي وما اجتمع فيه هذه المراتب فقد بلغ أقصى مراتب القبح «حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت» ليس المراد تحريم ذواتهن بل تحريم نكاحهن وما يقصد به من التمتع بهن وبيان امتناع ورود ملك النكاح عليهن وانتفاء محليتهن له رأسا واما حرمة التمتع بهن بملك اليمين في المواد التي يتصور فيها قرار الملك كما في بعض المعطوفات على تقدير رقهن فثابتة بدلالة النص لاتحاد المدار الذي هو عدم محلية أبضاعهن للملك لا بعبارته بشهادة سباق النظم الكريم وسياقه وانما لم يوجب المدار المذكور امتناع ورود ملك اليمين رأسا ولا حرمة سببه الذي هو العقد أو ما يجري مجراه كما أوجب حرمة عقد النكاح وامتناع ورود حكمه عليهن لأن مورد ملك اليمين ليس هو البضع الذي هو مورد ملك النكاح حتى يفوت بفوات محليته له كملك النكاح فإنه حيث كان مورده ذلك فات بفوات محليته له قطعا وانما مورده الرقبة الموجودة في كل رقيق فيتحقق بتحقق محله حتما ثم يزول بوقوع العتق في المواد التي سبب حرمتها محض القرابة النسبية كالمذكورات ويبقى في البواقي على حاله مستتبعا لجميع
(١٦٠)