الآية محكمة غير منسوخة ع وهذا هو الصواب وإنما هي مخصصة وذلك أن قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه معناه بما هو في وسعكم وتحت كسبكم وذلك استصحاب المعتقد والفكر فيه فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم فبين الله تعالى لهم ما أراد بالآية الأولى وخصصها ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والخواطر ليست هي ولا دفعها حدثنا في الوسع بل هي أمر غالب وليست مما يكسب ولا يكتسب وكان في هذا البيان فرحهم وكشف كربهم وتأتي الآية محكمة لا نسخ فيها ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ فإن ذهب ذاهب إلى تقرير النسخ فإنما يترتب له في الحكم الذي لحق الصحابة حين فزعوا من الآية وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم قولوا سمعنا وأطعنا يجئ منه الأمر بأن يبنوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران فإذا قرر هذا الحكم فصحيح وقوع النسخ فيه وتشبه الآية حينئذ قوله تعالى يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين " فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا وابنوا عليه واصبروا بحسبه ثم نسخ ذلك بعد ذلك فهذه الآية في البقرة أشبه شئ بها وقوله تعالى من يشاء " يعني من العصاة وتعلق قوم بهذه الآية ممن قال بجواز تكليف مالا يطاق وقالوا ان الله قد كلفهم امر الخواطر وذلك مما لا يطاق قال ع وهذا غير بين وإنما كان أمر الخواطر تأويلا تأوله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت تكليفا إلا على الوجه الذي ذكرناه من تقرير النبي صلى الله عليه وسلم إياهم على ذلك قال الشيخ الولي العارف بالله ابن أبي جمرة والخواطر عندهم ستة يعني عند العلماء العارفين بالله أولها الهمة ثم اللمة ثم الخطرة وهذه الثلاث عندهم غير مؤاخذ بها ثم نية ثم إرادة ثم عزيمة وهذه الثلاث مؤاخذ بها ا ه وقوله تعالى الرسول بما أنزل إليه من ربه " الآية سبب هذه الآية أنه لما نزلت وإن تبدوا ما في أنفسكم واشفق منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم تقرر الأمر على أن قالوا سمعنا وأطعنا ورجعوا إلى التضرع والاستكانة مدحهم الله تعالى وأثنى عليهم في هذه الآية وقدم ذلك بين يدي رفقه بهم فجمع لهم تعالى التشريف بالمدح والثناء ورفع المشقة في أمر الخواطر وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى لا كما
(٥٥٦)