وإن كانت للجنس من حيث إنها كانت صفة لأي، لأنها مخاطبة لمن سبق في علم الله تعالى أنه سيموت على كفره، فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم. ونحوه عن الماوردي:
نزلت جوابا، وعنى بالكافرين قوما معينين. لا جميع الكافرين، لان منهم من آمن، فعبد الله، ومنهم من مات أو قتل على كفره، وهم المخاطبون بهذا القول، وهم المذكورون.
قال أبو بكر بن الأنباري: وقرأ من طعن في القرآن: قل للذين كفروا " لا أعبد ما تعبدون " وزعم أن ذلك هو الصواب، وذلك افتراء على رب العالمين، وتضعيف لمعنى هذه السورة، وإبطال ما قصده الله من أن يذل نبيه للمشركين بخطابه إياهم بهذا الخطاب الزري، وإلزامهم ما يأنف منه كل ذي لب وحجا. وذلك أن الذي يدعيه من اللفظ الباطل، قراءتنا تشتمل عليه في المعنى، وتزيد تأويلا ليس عندهم في باطلهم وتحريفهم. فمعنى قراءتنا: قل للذين كفروا: يا أيها الكافرون، دليل صحة هذا: أن العربي إذا قال لمخاطبة قل لزيد أقبل إلينا، فمعناه قل لزيد يا زيد أقبل إلينا. فقد وقعت قراءتنا على كل ما عندهم، وسقط من باطلهم أحسن لفظ وأبلغ معنى، إذ كان الرسول عليه السلام يعتمدهم في ناديهم، فيقول لهم:
" يا أيها الكافرون ". وهو يعلم أنهم يغضبون من أن ينسبوا إلى الكفر، ويدخلوا في جملة أهله إلا وهو محروس ممنوع من أن تنبسط عليه منهم يد، أو تقع به من جهتهم أذية. فمن لم يقرأ " قل يا أيها الكافرون " كما أنزلها الله، أسقط آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وسبيل أهل الاسلام ألا يسارعوا إلى مثلها، ولا يعتمدوا نبيهم باختزال الفضائل عنه، التي منحه الله إياها، وشرفه بها. وأما وجه التكرار فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم، كما تقول: والله لا أفعل كذا، ثم والله لا أفعله. قال أكثر أهل المعاني: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والافهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والايجاز، لان خروج الخطيب والمتكلم من شئ إلى شئ أولى من اقتصاره في المقام على شئ واحد، قال الله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " [الرحمن: 13]. " ويل يومئذ للمكذبين " [المطففين: 10]. " كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون " [النبأ: 4 - 5]. و " فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا " [الشرح: 5 - 6]. كل هذا على التأكيد.