أصناف الشعر، فوالله ما يشبه شيئا منها، وما قوله بشعر. وقال أنيس أخو أبي ذر: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر (1) فلم يلتئم أنه شعر. أخرجه مسلم، وكان أنيس من أشعر العرب. وكذلك عتبة بن أبي ربيعة لما كلمه: والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، على ما يأتي بيانه من خبره في سورة " فصلت " إن شاء الله تعالى. وكذلك قال غيرهما من فصحاء العرب العرباء، واللسن البلغاء. ثم إن ما يجري على اللسان من موزون الكلام لا يعد شعرا، وإنما بعد منه ما يجري على وزن الشعر مع القصد إليه، فقد يقول القائل: حدثنا شيخ لنا وينادي يا صاحب الكسائي، ولا يعد هذا شعرا. وقد كان رجل ينادي في مرضه وهو من عرض العامة العقلاء: اذهبوا بي إلى الطبيب وقولوا قد اكتوى.
الثالثة - روى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن إنشاد الشعر فقال: لا تكثرن منه، فمن عيبه أن الله يقول: " وما علمناه الشعر وما ينبغي له " قال: ولقد بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن أجمع الشعراء قبلك، وسلهم عن الشعر، وهل بقي معهم معرفة، وأحضر لبيدا ذلك، قال: فجمعهم فسألهم فقالوا إنا لنعرفه ونقوله.
وسأل لبيدا فقال: ما قلت شعرا منذ سمعت الله عز وجل يقول: " ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه " [البقرة: 1 - 2] قال ابن العربي: هذه الآية ليست من عيب الشعر، كما لم يكن قوله:
" وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك " [العنكبوت: 48] من عيب الكتابة، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي صلى الله عليه وسلم من عيب الشعر.
روي أن المأمون قال لأبي علي المنقر ي: بلغني أنك أمي، وأنك لا تقيم الشعر، وأنك تلحن.
فقال: يا أمير المؤمنين، أ ما اللحن فربما سبق لساني منه بشئ، وأما الأمية وكسر الشعر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقيم الشعر. فقال له: سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعا وهو الجهل، يا جاهل! إن ذلك كان للنبي صلى الله عليه وسلم فضيلة، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة، وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لنفي الظنة عنه، لا لعيب في الشعر والكتابة.