لأحد من بعده، ليكون محله وكرامته من الله ظاهرا في خلق السماوات والأرض، فإن الأنبياء عليهم السلام لهم تنافس في المحل عنده، فكل يحب أن تكون له خصوصية يستدل بها على محله عنده، ولهذا لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم العفريت الذي أراد أن يقطع عليه صلاته وأمكنه الله منه، أراد ربطه ثم تذكر قوله أخيه سليمان: " رب أغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي " فرده خاسئا. فلو أعطي أحد بعده مثله ذهبت الخصوصية، فكأنه كره صلى الله عليه وسلم أن يزاحمه في تلك الخصوصية، بعد أن علم أنه شئ هو الذي خص به من سخرة الشياطين، وأنه أجيب إلى ألا يكون لأحد بعده. والله أعلم.
قوله تعالى: " فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء " أي لينة مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه. وكان موكبه فيما روي فرسخا في فرسخ، مائة درجة بعضها فوق بعض، كل درجة صنف من الناس، وهو في أعلى درجة مع جواريه وحشمه وخدمه، صلوات الله وسلامه عليه. وذكر أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه، قال حدثني أبي قال: كان لسليمان ابن داود عليه السلام ألف بيت أعلاه قوارير وأسفله حديد، فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فقال: لقد أوتي آل داود ملكا عظيما! فحملت الريح كلامه فألقته في أذن سليمان، قال فنزل حتى أتى الحراث فقال: إني سمعت قولك، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى مالا تقدر عليه، لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك لخير مما أوتي آل داود. فقال الحراث:
أذهب الله همك كما أذهبت همي.
قوله تعالى: " حيث أصاب " أي أراد، قاله مجاهد. والعرب تقول: أصاب الصواب وأخطأ الجواب. أي أراد الصواب وأخطأ الجواب، قال ابن الأعرابي.
وقال الشاعر:
أصاب الكلام فلم يستطع * فأخطأ الجواب لدى المفصل