خرجه الموطأ عن يحيى بن سعيد مرسلا. وهو في غير الموطأ مسند متصل عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أنس. وقد مضى في " الأنفال " (1) قوله عليه السلام: " وامسحوا بنواصيها وأكفالها " وروى ابن وهب عن مالك أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف.
قلت: وقد استدل الشبلي وغيره من الصوفية في تقطيع ثيابهم وتخريقها بفعل سليمان، هذا. وهو استدلال فاسد، لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد.
والمفسرون اختلفوا في معنى الآية، فمنهم من قال: مسح على أعناقها وسوقها إكراما لها وقال: أنت في سبيل الله، فهذا إصلاح. ومنهم من قال: عرقبها ثم ذبحها، وذبح الخيل وأكل لحمها جائز. وقد مضى في " النحل " (2) بيانه. وعلى هذا فما فعل شيئا عليه فيه جناح.
فأما إفساد ثوب صحيح لا لغرض صحيح فإنه لا يجوز. ومن الجائز أن يكون في شريعة سليمان جواز ما فعل، ولا يكون في شرعنا. وقد قيل: إنما فعل بالخيل ما فعل بإباحة الله جل وعز له ذلك. وقد قيل: إن مسحه إياها وسمها بالكي وجعلها في سبيل الله، فالله أعلم. وقد ضعف هذا القول من حيث أن السوق ليست بمحل للوسم بحال. وقد يقال: الكي على الساق علاط، وعلى العنق وثاق. والذي في الصحاح للجوهري: علط البعير علطا كواه في عنقه بسمة العلاط. والعلاطان جانبا العنق.
قلت: ومن قال إن الهاء في " ردوها " ترجع للشمس فذلك من معجزاته. وقد اتفق مثل ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم. خرج الطحاوي في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أصليت يا علي " قال: لا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فأردد عليه الشمس " قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض، وذلك بالصهباء في خيبر. قال الطحاوي: وهذان الحديثان ثابتان، ورواتهما ثقات.