الخامسة - قال ابن العربي: فإن قيل كيف لم يأمر بإخراجهما إذ قد علم مطلبهما، وهلا أدبهما وقد دخلا عليه بغير إذن؟ فالجواب عليه من أربعة أوجه: الأول: أنا لم نعلم كيفية شرعه في الحجاب والإذن فيكون الجواب بحسب تلك الأحكام، وقد كان ذلك في ابتداء شرعنا مهملا في هذه الأحكام، حتى أوضحها الله تعالى بالبيان. الثاني - أنا لو نزلنا الجواب على أحكام الحجاب، لاحتمل أن يكون الفزع الطارئ عليه أذهله عما كان يجب في ذلك له. الثالث - أنه أراد أن يستوفي كلامهما الذي دخلا له حتى يعلم آخر الأمر منه، ويرى هل يحتمل التقحم فيه بغير إذن أم لا؟ وهل يقترن بذلك عذر لهما أم لا يكون لهما عذر فيه؟ فكان من آخر الحال ما انكشف أنه بلاء ومحنة، ومثل ضربه الله في القصة، وأدب وقع على دعوى العصمة. الرابع - أنه يحتمل أن يكون في مسجد ولا إذن في المسجد لأحد إذ لا حجر فيه على أحد.
قلت: وقول خامس ذكره القشيري، وهو أنهما قالا: لما لم يأذن لنا الموكلون بالحجاب، توصلنا إلى الدخول بالتسور، وخفنا أن يتفاقم الأمر بيننا. فقبل داود عذرهم، وأصغى إلى قولهم.
السادسة - قوله تعالى: " خصمان " إن قيل: كيف قال " خصمان " وقبل هذا " إذا تسور وا المحراب " فقيل: لأن الاثنين جمع، قال الخليل: كما تقول نحن فعلنا إذا كنتما اثنين. وقال الكسائي: جمع لما كان خبرا، فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة، خبر الاثنان عن أنفسهما فقالا خصمان. وقال الزجاج: المعنى نحن خصمان. وقال غيره:
القول محذوف، أي يقول: " خصمان بغى بعضنا على بعض " قال الكسائي: ولو كان بغى بعضهما على بعض، لجاز. الماوردي: وكانا ملكين، ولم يكونا خصمين ولا باغيين، ولا يأتي منهما كذب، وتقدير كلامهما ما تقول: إن أتاك خصمان قالا بغى بعضنا على بعض. وقيل:
أي نحن فريقان من الخصوم بغى بعضنا على بعض. وعلى هذا يحتمل أن تكون الخصومة بين اثنين ومع كل واحد جمع. ويحتمل أن يكون لكل واحد من هذا الفريق خصومة