وبهذا الاعتبار اختار أهل النظر من العلماء أن سموا هذه المنزلة بين المنزلتين كسبا، وأخذوا هذه التسمية من كتاب الله العزيز، وهو قوله سبحانه: " لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " (1) [البقرة: 286].
قوله تعالى: فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون (14) قوله تعالى: (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) فيه قولان: أحدهما - أنه من النسيان الذي لا ذكر معه، أي لم يعملوا لهذا اليوم فكانوا بمنزلة الناسين. والآخر: أن " نسيتم " بما تركتم، وكذا " إنا نسيناكم ". واحتج محمد بن يزيد بقوله تعالى: " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي " (2) [طه: 115] قال: والدليل على أنه بمعنى ترك أن الله عز وجل أخبر عن إبليس أنه قال: " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين " (3) [الأعراف: 20] فلو كان آدم ناسيا لكان قد ذكره. وأنشد:
كأنه خارجا من جنب صفحته * سفود شرب نسوه عند مفتأد (4) أي تركوه. ولو كان من النسيان لكان قد عملوا به مرة. قال الضحاك: " نسيتم " أي تركتم أمري. يحيى بن سلام: أي تركتم الايمان بالبعث في هذا اليوم. " نسيناكم " تركناكم من الخير، قاله السدي. مجاهد: تركناكم في العذاب. وفي استئناف قوله: " إنا نسيناكم " وبناء الفعل على " إن " واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى: فذوقوا هذا، أي ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم بسبب نسيان الله. أو ذوقوا العذاب المخلد، وهو الدائم الذي لا انقطاع له في جهنم. (بما كنتم تعملون) يعنى في الدنيا من المعاصي. وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس وإن لم يكن مطعوما، لاحساسها به كإحساسها بذوق المطعوم.
قال عمر بن أبي ربيعة:
فذق هجرها إن كنت تزعم أنها * فساد ألا يا ربما كذب الزعم