من حكمه، وقدره بحكمته. والاحكام لا تتعلق بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة، فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها. ألا ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى، وقد قال تعالى: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " (1) [التوبة: 111] ولا يقال: هذه الآية دليل على جواز مبايعة السيد لعبده، لان المقصدين مختلفان.
أما إنه إذا لم يكن بد من المعاني فيقال: إن هذه الآية دليل على أن للقاضي أن يستنيب من يأخذ الحق ممن هو عليه قسرا دون أن يكون له في ذلك فعل، أو يرتبط به رضا إذا وجد ذلك.
قوله تعالى: لو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعمل صالحا إنا موقنون (12) قوله تعالى: (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم) ابتداء وخبر. قال الزجاج: والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لامته. والمعنى: ولو ترى يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب. ومذهب أبي العباس غير هذا، وأن يكون المعنى: يا محمد، قل للمجرم ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم لندمت على ما كان منك. " ناكسو رؤوسهم " أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم. " عند ربهم " أي عند محاسبة ربهم وجزاء أعمالهم. " ربنا " أي يقولون ربنا. " أبصرنا " أي أبصرنا ما كنا نكذب. " وسمعنا " ما كنا ننكر. وقيل: " أبصرنا " صدق وعيدك. " وسمعنا " تصديق رسلك. أبصروا حين لا ينفعهم البصر، وسمعوا حين لا ينفعهم السمع. " فأرجعنا " أي إلى الدنيا. " نعمل صالحا إنا موقنون " أي مصدقون بالبعث، قاله النقاش. وقيل: مصدقون بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أنه حق، قاله يحيى بن سلام. قال سفيان الثوري: فأكذبهم الله تعالى: فقال " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " (2). وقيل: معنى " إنا موقنون " أي قد زالت عنا الشكوك الآن، وكانوا يسمعون ويبصرون في الدنيا، ولكن لم يكونوا