قوله تعالى: (الذي أحسن كل شئ خلقه) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر:
" خلقه " بإسكان اللام. وفتحها الباقون. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم طلبا لسهولتها.
وهو فعل ماض في موضع خفض نعت ل " - شئ ". والمعنى على ما روي عن ابن عباس:
أحكم كل شئ خلقه، أي جاء به على ما أراد، لم يتغير عن إرادته. وقول آخر - أن كل شئ خلقه حسن، لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بمثله، وهو دال على خالقه. ومن أسكن اللام فهو مصدر عند سيبويه، لان قوله: " أحسن كل شئ خلقه " يدل على: خلق كل شئ خلقا، فهو مثل: " صنع الله " (1) [النمل: 88] و " كتاب الله عليكم " (2) [النساء: 24]. وعند غيره منصوب على البدل من " كل " أي الذي أحسن خلق كل شئ. وهو مفعول ثان عند بعض النحويين، على أن يكون معنى: " أحسن " أفهم وأعلم، فيتعدى إلى مفعولين، أي أفهم كل شئ خلقه.
وقيل: هو منصوب على التفسير، والمعنى: أحسن كل شئ خلقا. وقيل: هو منصوب بإسقاط حرف الجر، والمعنى: أحسن كل شئ في خلقه. وروي معناه عن ابن عباس و " أحسن " أي أتقن وأحكم، فهو أحسن من جهة ما هو لمقاصده التي أريد لها. ومن هذا المعنى قال ابن عباس وعكرمة: ليست است القرد بحسنة، ولكنها متقنة محكمة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد " أحسن كل شئ خلقه " قال: أتقنه. وهو مثل قوله تبارك وتعالى: " الذي أعطى كل شئ خلقه " (3) [طه: 50] أي لم يخلق الانسان على خلق البهيمة، ولا خلق البهيمة [على] خلق الانسان. ويجوز: " خلقه " بالرفع، على تقدير ذلك خلقه. وقيل: هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى، والمعنى: حسن خلق كل شئ حسن. وقيل: هو عموم في اللفظ والمعنى، أي جعل كل شئ خلقه حسنا، حتى جعل الكلب في خلقه حسنا، قاله ابن عباس. وقال قتادة: في است القرد حسنة.
قوله تعالى: (وبدأ خلق الانسان من طين) يعني آدم. (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) تقدم في " المؤمنون " وغيرها (4). قال الزجاج: " من ماء مهين " ضعيف.