انطلقي لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت الشمال: إن محوة (1) لا تسري بليل. فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور). وكانت هذه الريح معجزة للنبي الله عليه وسلم، لان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريبا منها، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق، وكانوا في عافية منها، ولا خبر عندهم بها. (وجنود لم تروها) وقرئ بالياء، أي لم يرها المشركون. قال المفسرون: بعث الله تعالى عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد، وقطعت أطناب الفساطيط، وأطفأت النيران، وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وأرسل الله عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر، حتى كان سيد كل خباء يقول: يا بني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهم: النجاء النجاء، لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب. (وكان الله بما تعملون بصيرا) وقرئ: " يعملون " بالياء على الخبر، وهي قراءة أبي عمرو. الباقون بالتاء، يعني من حفر الخندق والتحرز من العدو.
قوله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا (10) قوله تعالى: (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم) " إذ " في موضع نصب بمعنى واذكر. وكذا " وإذ قالت طائفة منهم ". " من فوقكم " يعني من فوق الوادي، وهو أعلاه من قبل المشرق، جاء منه عوف بن مالك في بني نصر، وعيينة بن حصن في أهل نجد، وطليحة ابن خويلد الأسدي في بني أسد. " ومن أسفل منكم " يعني من بطن الوادي من قبل المغرب، جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، ويزيد بن جحش على قريش، وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق. (وإذ زاغت الابصار) أي شخصت. وقيل: مالت، فلم تلتفت إلا إلى