أحد منهم في عصر من الاعصار نكير فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة فإن قالوا قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الأخبار مثل قوله " ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع " [غافر: 18]. قالوا: وأصحاب الكبائر ظالمون. وقال:
" من يعمل سوءا يجز به " (1) [النساء: 123] " ولا يقبل منها شفاعة " [البقرة: 48] قلنا ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك وأيضا فان الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " (2) [المدثر: 48] وقال " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " (3) [الأنبياء: 28] وقال " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " (4) [سبأ: 23]. فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى " واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة " النفس الكافرة لا كل نفس. ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم مخلدون فيها بدليل الاخبار التي رويناها وبدليل قوله " ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " (5) [النساء: 48] وقوله " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " [يوسف: 87].
فإن قالوا: فقد قال تعالى " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " والفاسق غير مرتضى قلنا لم يقل لمن لا يرضى وإنما قال " لمن ارتضى " ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون بدليل قوله " لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (6) " [مريم 87]. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما عهد الله مع خلقه قال (أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئا).
وقال المفسرون: إلا من قال لا إله إلا الله.
فإن قالوا المرتضى هو التائب الذي اتخذ عند الله عهدا بالإنابة إليه بدليل أن الملائكة استغفروا لهم وقال " فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك " [غافر: 7] وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر قلنا: عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة