أن يقال: إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوا وانتقاما. وقد قتلت سعد ابن عبادة رضي الله عنه، وذلك أنه وجد ميتا في مغتسله وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلا يقول ولا يرون أحدا:
قد قتلنا سيد الخز * رج سعد بن عباده ورميناه بسهمين * فلم نخط فؤاده وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بالمدينة جنا قد أسلموا) ليبين طريقا يحصل به التحرز من قتل المسلم منهم ويتسلط به على قتل الكافر منهم. روي من وجوه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جانا فأريت في المنام أن قائلا يقول لها: لقد قتلت مسلما، فقالت: لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما دخل عليك إلا وعليك ثيابك. فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله. وفي رواية:
ما دخل عليك إلا وأنت مستترة، فتصدقت وأعتقت رقابا. وقال الربيع بن بدر: الجان من الحيات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها هي التي تمشي ولا تلتوي، وعن علقمة نحوه.
الثامنة - في صفة الانذار، قال مالك: أحب إلي أن ينذروا ثلاثة أيام. وقاله عيسى بن دينار، وإن ظهر في اليوم مرارا. ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى يكون في ثلاثة أيام. وقيل: يكفي ثلاث مرار، لقوله عليه السلام: (فليؤذنه ثلاثا)، وقوله: (حرجوا عليه ثلاثا) ولأن ثلاثا للعدد المؤنث، فظهر أن المراد ثلاث مرات.
وقول مالك أولى، لقوله عليه السلام: (ثلاثة أيام). وهو نص صحيح مقيد لتلك المطلقات، ويحمل ثلاثا على إرادة ليالي الأيام الثلاث، فغلب الليلة على عادة العرب في باب التاريخ فإنها تغلب فيها التأنيث. قال مالك: ويكفي في الانذار أن يقول: أحرج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدوا لنا ولا تؤذونا. وذكر ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه ذكر عنده حياة البيوت فقال: إذا رأيتم منها شيئا في مساكنكم فقولوا: أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم نوح