الثانية - في قوله تعالى: " أسكن " تنبيه على الخروج، لان السكنى لا تكون ملكا، ولهذا قال بعض العارفين: السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة (1).
قلت: وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقوله الجمهور من العلماء: إن من أسكن رجلا مسكنا له أنه لا يملكه بالسكنى، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الاسكان. وكان الشعبي يقول: إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته، وإذا قال:
داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات. ونحو من السكنى العمرى، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى. وسيأتي الكلام في العمرى في " هود (2) " إن شاء الله تعالى. قال الحربي: سمعت ابن الأعرابي يقول: لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والافقار والاخبال والمنحة والعرية والسكنى والاطراق. وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شئ من العطايا إلا المنافع دون الرقاب، وهو قول الليث بن سعد والقاسم بن محمد، ويزيد بن قسيط.
والعمري: هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره. ومثله الرقبى: وهو أن يقول: إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك، وهي من المراقبة. والمراقبة:
أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها، فأجازها أبو يوسف والشافعي، وكأنها وصية عندهم. ومنعها مالك والكوفيون، لان كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه. وفي الباب حديثان أيضا بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجة في سننه، الأول رواه جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها) ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم. الثاني رواه ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته ومماته). قال: والرقبى أن