الثالث - نصبت على تقدير إسقاط الجار، المعنى أن يضرب مثلا ما بين بعوضة، فحذفت " بين " وأعربت بعوضة بإعرابها، والفاء بمعنى إلى، أي إلى ما فوقها. وهذا قول الكسائي والفراء أيضا، وأنشد أبو العباس:
يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم * ولا حبال محب واصل تصل أراد ما بين قرن، فلما أسقط " بين " نصب.
الرابع - أن يكون " يضرب " بمعنى يجعل، فتكون " بعوضة " المفعول الثاني.
وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤبة بن العجاج " بعوضة " بالرفع، وهي لغة تميم.
قال أبو الفتح: ووجه ذلك أن " ما " اسم بمنزلة الذي، و " بعوضة " رفع على إضمار المبتدأ، التقدير: لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضة مثلا، فحذف العائد على الموصول وهو مبتدأ. ومثله قراءة بعضهم: " تماما على الذي أحسن " أي على الذي هو أحسن.
وحكى سيبويه: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، أي هو قائل. قال النحاس: والحذف في " ما " أقبح منه في " الذي "، لان " الذي " إنما له وجه واحد والاسم معه أطول. ويقال:
إن معنى ضربت له مثلا، مثلت له مثلا. وهذه الأبنية على ضرب واحد، وعلى مثال واحد ونوع واحد والضرب النوع. والبعوضة: فعولة من بعض إذا قطع اللحم، يقال:
بضع وبعض بمعنى، وقد بعضته تبعيضا، أي جزأته فتبعض. والبعوض: البق، الواحدة بعوضة، سميت بذلك لصغرها. قاله الجوهري وغيره.
قوله تعالى: (فما فوقها) قد تقدم أن الفاء بمعنى إلى، ومن جعل " ما " الأولى صلة زائدة ف " - ما " الثانية عطف عليها. وقال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما: معنى " فما فوقها " - والله أعلم - ما دونها، أي إنها فوقها في الصغر. قال الكسائي: وهذا كقولك في الكلام: أتراه قصيرا؟ فيقول القائل: أو فوق ذلك، أي هو أقصر مما ترى. وقال قتادة وابن جريج: المعنى في الكبر. والضمير في " أنه " عائد على المثل أي أن المثل حق.