وذلك ما أورثنا كتب التفسير التي لا تعد ولا تحصى ولو آمن سلفنا بإغلاق باب التفسير بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لحرمنا هذا التراث التفسيري الضخم الذي لا يزال يتدرج إلى الرقي والصعود فالتفسير لم يكمل في زمن ماض ولا يزال يترقى إلى كماله وغايته وما دام الانسان وفكره وعلمه في صعود مستمر ورقي متواصل لن يكمل التفسير فالقرآن كالماء الذي تدور حياة الانسان حوله منذ فتح عينيه وكان يروي به علته ويطهر به جسده وثيابه ويسقي به جناته ومزارعه إلى أن جاء هذا العصر وعلمنا ما في الماء من قوى كامنة فولدنا منه الكهرباء ونورنا به الظلمات وأدرنا به الآلات والعجلات ولم يقف الانسان ولم ينه إعمال فكره ولسوف يطلع على قواه الأخرى ويقضي بها مآربه المتجددة وحاجاته التي ليست لها نهاية وعلم التفسير عندنا كزرع أخرج شطاه فازره فاستغلظ وهو لا يزال يستوي على سوقه ثابت أصله في الأرض الطيبة وفروعه تتصاعد إلى السماء وكما أن الماء لما ينته للإنسان منافعه الأولى وكما أن الزرع لاقرار له بغير أصوله كذلك لابد لمن يفسر القرآن في هذا العصر أن يستفيد من أقوال المفسرين القدماء أولا ليتقي بها مواضع الزلل والغلط ثم يتسع له بعد ذلك الفهم والاستنباط فقد جعل الله القرآن أصلا لجميع ما يحتاج إليه وليس كله منصوصا فلا بد من الاستنباط والاستخراج بالرأي والعقل والعلم وهناك متسع في التفسير لما نرى الآثار المختلفة عن الصحابة
(٢١)