المقتضيات العصرية، والمتطلبات الحاضرة، ومدى تطور العلوم في زمانه، ثم ليتفكر في آياته، يجد الله عليما خبيرا. وحيث أن القافلة الانسانية لا تزال سائرة إلى الأمام، ورائد الاسلام يرفع شأنها وينمي إمكانياتها، ويدعوها إلى الصراط المستقيم، الذي ينتهي إلى الله دائما فهي في صعود وارتقاء، فكل ما ترى في الناس من النشاط لنيل العدل وإحقاق الحق ورفع مستوى الانسانية وتوحيدها بوحدة الله وإعطاء كل ذي حق حقه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واستواء بني آدم أمام الله وتخليصهم من براثن المستبدين الطاغين والمستعمرين، ومنح الحريات وإلغاء الإكراه والإجبار والظلم والعدوان، وتحرير الانسانية من جميع الأوهام والخرافات ووضع الأغلال والآصار عنها، ورفع شأن العلم والعلماء، وبث روح الإحسان بين الناس، وتنشيطهم على إعمال العقل والتفكر والبحث وإتمام مكارم الأخلاق إن هي إلا من آثار هذا الكتاب الحكيم، وأشعة هذا السراج الوهاج.
مراعاة الظروف والأحوال:
إن القرآن لم ينزل دفعة واحدة. ولا يطلب من قارئه أن يختمه كم أوله إلى آخره في مدة ما. غير أنه يأمرنا أن نقرأ منه ما تيسر لنا، وان نتلوه حق تلاوته، وأن نتدبره ونحكم به ونعمل بما فيه، وأن نقيمه. وطبيعي أن أوامر القرآن كلها لا تنفذ في وقت واحد، وإنما تنفذ حسب الأحوال والمقتضيات. فللصفح والعفو أحوال، غير أحوال القتال والحرب. ولغلب المائة ألفا، أحوال لا توافق أحوال غلب المائة