تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٧٤
تعبدون الأصنام التي كانوا يعبدونها، ومفعول " يعبدون " ضمير راجع إلى الموصول محذوف لدلالة الكلام عليه ولرعاية الفواصل، وكذا مفاعيل الافعال التالية: " أعبد " و " عبدتم " و " أعبد ".
وقوله: " لا أعبد " نفي استقبالي فإن " لا " لنفي الاستقبال كما أن " ما " لنفي الحال، والمعنى لا أعبد أبدا ما تعبدونه اليوم من الأصنام.
قوله تعالى: " ولا أنتم عابدون ما أعبد " نفي استقبالي أيضا لعبادتهم ما يعبده صلى الله عليه وآله وسلم وهو اخبار عن امتناعهم عن الدخول في دين التوحيد في مستقبل الامر.
وبانضمام الامر الذي في مفتتح الكلام تفيد الآيتان أن الله سبحانه أمرني بالدوام على عبادته وأن أخبركم أنكم لا تعبدونه أبدا فلا يقع بيني وبينكم اشتراك في الدين أبدا.
فالآية في معنى قوله تعالى: " لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " يس: 7، وقوله: " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " البقرة: 6.
وكان من حق الكلام أن يقال: ولا أنتم عابدون من أعبد. لكن قيل: ما أعبد ليطابق ما في قوله: " لا أعبد ما تعبدون ".
قوله تعالى: " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد " تكرار لمضمون الجملتين السابقتين لزيادة التأكيد، كقوله: " كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون " التكاثر: 4 وقوله: " فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر " المدثر: 20.
وقيل: إن " ما " في " ما عبدتم " و " ما أعبد " مصدرية لا موصولة والمعنى ولا أنا عابد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتي أي لا أشارككم ولا تشاركونني لا في المعبود ولا في العبادة فمعبودي هو الله ومعبودكم الوثن وعبادتي ما شرعه الله لي وعبادتكم ما ابتدعتموه جهلا وافتراء، وعلى هذا فالآيتان غير مسوقتين للتأكيد، ولا يخلو من بعد وسيأتي في البحث الروائي التالي وجه آخر للتكرار لطيف.
قوله تعالى: " لكم دينكم ولي دين " تأكيد بحسب المعنى لما تقدم من نفي الاشتراك، واللام للاختصاص أي دينكم وهو عبادة الأصنام يختص بكم ولا يتعداكم إلى وديني يختص بي ولا يتعداني إليكم ولا محل لتوهم دلالة الآية على إباحة أخذ كل بما يرتضيه من الدين ولا أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يتعرض لدينهم بعد ذلك فالدعوة الحقة التي يتضمنها القرآن تدفع ذلك أساسا.
(٣٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 ... » »»
الفهرست