(بيان) امتنان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإعطائه الكوثر وتطييب لنفسه الشريفة بأن شانئه هو الأبتر، وهي أقصر سورة في القرآن وقد اختلفت الروايات في كون السورة مكية أو مدنية، والظاهر أنها مكية، وذكر بعضهم أنها نزلت مرتين جمعا بين الروايات.
قوله تعالى: " إنا أعطيناك الكوثر " قال في المجمع الكوثر فوعل وهو الشئ الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير، انتهى.
وقد اختلفت أقوالهم في تفسير الكوثر اختلافا عجيبا فقيل: هو الخير الكثير، وقيل نهر في الجنة، وقيل: حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة أو في المحشر، وقيل: أولاده وقيل: أصحابه وأشياعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وقيل: علماء أمته صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل القرآن وفضائله كثيرة، وقيل النبوة وقيل: تيسير القرآن وتخفيف الشرائع وقيل: الاسلام وقيل التوحيد، وقيل: العلم والحكمة، وقيل: فضائله صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل المقام المحمود، وقيل: هو نور قلبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى غير ذلك مما قيل، وقد نقل عن بعضهم أنه أنهى الأقوال إلى ستة وعشرين.
وقد استند في القولين الأولين إلى بعض الروايات، وباقي الأقوال لا تخلو من تحكم وكيفما كان فقوله في آخر السورة: " إن شانئك هو الأبتر " - وظاهر الأبتر هو المنقطع نسله وظاهر الجملة انها من قبيل قصر القلب - ان كثرة ذريته صلى الله عليه وآله وسلم هي المرادة وحدها بالكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المراد بها الخير الكثير وكثرة الذرية مرادة في ضمن الخير الكثير ولولا ذلك لكان تحقيق الكلام بقوله: " إن شانئك هو الأبتر " خاليا عن الفائدة.
وقد استفاضت الروايات أن السورة إنما نزلت فيمن عابه صلى الله عليه وآله وسلم بالبتر بعد ما مات ابناه القاسم وعبد الله، وبذلك يندفع ما قيل: ان مراد الشانئ بقوله: " أبتر " المنقطع عن قومه أو المنقطع عن الخير فرد الله عليه بأنه هو المنقطع من كل خير.
ولما في قوله: " انا أعطيناك " من الامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم جئ بلفظ المتكلم مع الغير الدال على العظمة، ولما فيه من تطييب نفسه الشريفة أكدت الجملة بإن وعبر بلفظ الاعطاء الظاهر في التمليك.