ومعنى " ما كسب " الذي كسبه بأعماله وهو أثر أعماله أو مصدرية والمعنى كسبه بيديه وهو عمله، والمعنى ما أغنى عنه عمله.
ومعنى الآية على أي حال لم يدفع عنه ماله ولا عمله - أو أثر عمله - تباب نفسه ويديه الذي كتب عليه أودعي عليه.
قوله تعالى: " سيصلى نارا ذات لهب " أي سيدخل نارا ذات لهب وهي نار جهنم الخالدة، وفي تنكير لهب تفخيم له وتهويل.
قوله تعالى: " وامرأته حمالة الحطب " عطف على ضمير الفاعل المستكن في " سيصلى " والتقدير: وستصلى امرأته الخ و " حمالة الحطب " بالنصب وصف مقطوع عن الوصفية للذم أي أذم حمالة الحطب، وقيل: حال من " امرأته " وهو معنى لطيف على ما سيأتي.
قوله تعالى: " في جيدها حبل من مسد " المسد حبل مفتول من الليف، والجملة حال ثانية من امرأته.
والظاهر أن المراد بالآيتين أنها ستتمثل في النار التي تصلاها يوم القيامة في هيئتها التي كانت تتلبس بها في الدنيا وهي أنها كانت تحمل أغصان الشوك وغيرها تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤذيه بذلك فتعذب بالنار وهي تحمل الحطب وفي جيدها حبل من مسد.
قال في مجمع البيان: وإذا قيل: هل كان يلزم أبا لهب الايمان بعد هذه السورة وهل كان يقدر على الايمان ولو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى نارا ذات لهب.
فالجواب أن الايمان يلزمه لان تكليف الايمان ثابت عليه وإنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن انتهى موضع الحاجة.
أقول: مبنى الاشكال على الغفلة من أن تعلق القضاء الحتمي منه تعالى بفعل الانسان الاختياري لا يستوجب بطلان الاختيار واضطرار الانسان على الفعل فان الإرادة الإلهية - وكذا فعله تعالى - إنما يتعلق بفعله الاختياري على ما هو عليه أي أن يفعل الانسان باختياره كذا وكذا فلو لم يقع الفعل اختياريا تخلف مراده تعالى عن إرادته وهو محال وإذا كان الفعل المتعلق للقضاء الموجب اختياريا كان تركه أيضا اختياريا وإن كان لا يقع فافهم وقد تقدم هذا البحث في غير موضع من المباحث السابقة.
(25 - الميزان - 20)