تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٣٧٧
مضى سنتين من فتح الحديبية.
وهذا الذي ذكر أقرب من حمل الآية على إجابة أهل اليمن الدعوة الحقة ودخولهم في الاسلام من غير قتال، فالأقرب إلى الاعتبار كون المراد بالنصر والفتح نصره تعالى نبيه " ص " على قريش وفتح مكة، وأن تكون السورة نازلة بعد صلح الحديبية ونزول سورة الفتح وقبل فتح مكة.
قوله تعالى: " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " قال الراغب: الفوج الجماعة المارة المسرعة، وجمعه أفواج. انتهى. فمعنى دخول الناس في دين الله أفواجا دخولهم فيه جماعة بعد جماعة، والمراد بدين الله الاسلام قال تعالى: " إن الدين عند الله الاسلام " آل عمران: 19.
قوله تعالى: " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " لما كان هذا النصر والفتح إذلالا منه تعالى للشرك وإعزازا للتوحيد وبعبارة أخرى إبطالا للباطل وإحقاقا للحق ناسب من الجهة الأولى تنزيهه تعالى وتسبيحه، وناسب من الجهة الثانية - التي هي نعمة - الثناء عليه تعالى وحمده فلذلك أمره " ص " بقوله: " فسبح بحمد ربك ".
وههنا وجه آخر يوجه به الامر بالتسبيح والتحميد والاستغفار جميعا وهو أن للرب تعالى: " على عبده أن يذكره بصفات كماله ويذكر نفسه بما له من النقص والحاجة ولما كان في هذا الفتح فراغه " ص " من جل ما كان عليه من السعي في إماطة الباطل وقطع دابر الفساد أمر أن يذكره عند ذلك بجلاله وهو التسبيح وجماله وهو التحميد وأن يذكره بنقص نفسه وحاجته إلى ربه وهو طلب المغفرة ومعناه فيه " ص " - وهو مغفور - سؤال إدامة المغفرة فإن الحاجة إلى المغفرة بقاء كالحاجة إليها حدوثا فافهم ذلك، وبذلك يتم شكره لربه تعالى وقد تقدم (1) كلام في معنى مغفرة الذنب في الأبحاث السابقة.
وقوله: " إنه كان توابا " تعليل للامر بالاستغفار لا يخلو من تشويق وتأكيد.
(بحث روائي) في المجمع عن مقاتل: لما نزلت هذه السورة قرأها " ص " على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال " ص ": ما يبكيك يا عم؟ قال: أظن أنه قد

(1) في آخر الجزء السادس من الكتاب.
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»
الفهرست