تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ٢٨٩
(بيان) تذكر السورة أن خلقة الانسان مبنية على التعب والمشقة فلا تجد شأنا من شؤون الحياة إلا مقرونا بمرارة الكد والتعب من حين يلج في جثمانه الروح إلى أن يموت فلا راحة له عارية من التعب والمشقة ولا سعادة له خالصة من الشقاء والمشأمة إلا في الدار الآخرة عند الله.
فليتحمل ثقل التكاليف الإلهية بالصبر على الطاعة وعن المعصية وليجد في نشر الرحمة على المبتلين بنوائب الدهر كاليتم والفقر والمرض وأضرابها حتى يكون من أصحاب الميمنة وإلا فآخرته كأولاه وهو من أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة.
وسياق آيات السورة، يشبه السياق المكي فيؤيد به كون السورة مكية وقد ادعى بعضهم عليه الاجماع، وقيل: السورة مدنية والسياق لا يساعد عليه، وقيل: مدنية إلا أربع آيات من أولها وسيأتي في البحث الروائي التالي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " لا أقسم بهذا البلد " ذكروا أن المراد بهذا البلد مكة وتؤيده مكية سياق السورة وقوله: " ووالد وما ولد " خاصة بناء على كون المراد بوالد هو إبراهيم عليه السلام على ما سيجئ.
قوله تعالى: " وأنت حل بهذا البلد " حال من هذا البلد، ووضع الظاهر موضع الضمير في قوله: " بهذا البلد " للدلالة على عظم شأنه والاعتناء بأمره وهو البلد الحرام، والحل مصدر كالحلول بمعنى الإقامة والاستقرار في مكان والمصدر بمعنى الفاعل.
والمعنى أقسم بهذا البلد والحال أنك حال به مقيم فيه وفي ذلك تنبيه على تشرف مكة بحلوله صلى الله عليه وآله وسلم فيها وكونها مولده ومقامه.
وقيل: الجملة معترضة بين القسم والمقسم به والمراد بالحل المستحل الذي لا حرمة له قال في الكشاف: واعترض بين القسم والمقسم عليه بقوله: " وأنت حل بهذا البلد " يعني ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد الحرام كما يستحل الصيد في غير الحرم - عن شرحبيل - يحرمون أن يقتلوا بها صيدا ويعضدوا (1) بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك، وفيه تثبيت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعث على

(1) عضد الشجرة: قطعها ونثر ورقها للإبل. وشرحبيل راوي الحديث.
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»
الفهرست