بعض ماله وامتن به مستكثرا له بقوله: " أهلكت مالا لبدا " فنزلت الآيات ورد الله عليه بأن الفوز بميمنة الحياة لا يتم إلا باقتحام عقبة الانفاق في سبيل الله والدخول في زمرة الذين آمنوا وتواصوا بالصبر والمرحمة، ويتأيد به ما سيأتي في البحث الروائي إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " أيحسب أن لم يره أحد " إنكار لما هو لازم قول الانسان " أهلكت مالا لبدا " على طريق التكنية ومحصل المعنى أن لازم إخبار الانسان بإهلاكه مالا لبدا أنه يحسب أنا في غفلة وجهل بما أنفق وقد أخطأ في ذلك فالله سبحانه بصير بما أنفق لكن هذا المقدار لا يكفي في الفوز بميمنة الحياة بل لا بد له من أن يتحمل ما هو أزيد من ذلك من مشاق العبودية فيقتحم العقبة ويكون مع المؤمنين في جميع ما هم فيه.
قوله تعالى: " ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين " النجد الطريق المرتفع، والمراد بالنجدين طريق الخير وطريق الشر وسميا النجدين لما في سلوك كل منهما من الجهد والكدح، وفسرا بثديي الام وهو بعيد.
وقوله: " ألم نجعل له عينين " أي جهزناه في بدنه بما يبصر به فيحصل له العلم بالمرئيات على سعة نطاقها، وقوله: " ولسانا وشفتين " أي أولم نجعل له لسانا وشفتين يستعين بها على التكلم والدلالة على ما في ضميره من العلم ويهتدي بذلك غيره على العلم بالأمور الغائبة عن البصر.
وقوله: " وهديناه النجدين " أي علمناه طريق الخير وطريق الشر بالهام منا فهو يعرف الخير ويميزه من الشر فالآية في معنى قوله تعالى: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس: 8.
وفي الآيات الثلاث حجة على قوله: " أيحسب أن لم يره أحد " أي على أنه تعالى يرى أعمال عباده ويعلم ما في ضمائرهم من وجوه الأعمال ويميز الخير من الشر والحسنة من السيئة.
محصلها أن الله سبحانه هو الذي يعرف المرئيات للانسان بوسيلة عينيه وكيف يتصور أن يعرفه أمرا وهو لا يعرفه؟ وهو الذي يدل الانسان على ما في الضمير بواسطة الكلام وهل يعقل أن يكشف له عما هو في حجاب عنه؟ وهو الذي يعلم الانسان ويميز له الخير والشر بالالهام وهل يمكن معه أن يكون هو نفسه لا يعلم به ولا يميزه؟ فهو تعالى يرى ما عمله الانسان ويعلم ما ينويه بعمله ويميز كونه خيرا أو شرا وحسنه أو سيئة.
قوله تعالى: " فلا اقتحم العقبة " الاقتحام الدخول بسرعة وضغط وشدة، والعقبة الطريق الصعب الوعر الذي فيه صعود من الجبل، واقتحام العقبة إشارة إلى الانفاق الذي