ردع ثان عما يقوله الانسان في حالي الغنى والفقر، وقوله: " إذا دكت الأرض " الخ في مقام التعليل للردع، ومحصل المعنى ليس كما يقوله الانسان فإنه سيتذكر إذا قامت القيامة أن الحياة الدنيا وما فيها من الغنى والفقر وأضرابهما لم تكن مقصودة بالذات بل كانت ابتلاء وامتحانا من الله تعالى يميز به السعيد من الشقي ويهيئ الانسان فيها ما يعيش به في الآخرة وقد التبس عليه الامر فحسبها كرامة مقصودة بالذات فاشتغل بها ولم يقدم لحياته الآخرة شيئا فيتمنى عند ذلك ويقول: يا ليتني قدمت لحياتي ولن يصرف التمني عنه شيئا من العذاب.
قوله تعالى: " وجاء ربك والملك صفا صفا " نسبة المجئ إليه تعالى من المتشابه الذي يحكمه قوله تعالى: " ليس كمثله شئ " الشورى: 11 وما ورد في آيات القيامة من خواص اليوم كتقطع الأسباب وارتفاع الحجب عنهم وظهور أن الله هو الحق المبين.
وإلى ذلك يرجع ما ورد في الروايات أن المراد بمجيئه تعالى مجئ أمره قال تعالى:
" والامر يومئذ لله " الانفطار: 19، ويؤيد هذا الوجه بعض التأيد قوله تعالى " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر " البقرة: 210 إذا انضم إلى قوله: " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك " النحل: 33 وعليه فهناك مضاف محذوف والتقدير جاء أمر ربك أو نسبة المجئ إليه تعالى من المجاز العقلي.
والكلام في نسبة المجئ إلى الملائكة وكونهم صفا صفا كما مر.
قوله تعالى: " وجئ يومئذ بجهنم " إلى آخر الآية لا يبعد أن يكون المراد بالمجئ بجهنم إبرازها لهم كما في قوله تعالى: " وبرزت الجحيم لمن يرى " النازعات: 36 وقوله:
" وبرزت الجحيم للغاوين " الشعراء: 91، وقوله: " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " ق: 22.
وقوله: " يومئذ يتذكر الانسان " أي يتذكر أجلى التذكر أن ما كان يؤتاه في الحياة الدنيا من خير أو شر كان من ابتلاء الله وامتحانه وأنه قصر في أمره، هذا ما يفيده السياق.
وقوله: " وأنى له الذكرى " أي ومن أين له الذكرى كناية عن عدم انتفاعه بها فإن الذكرى إنما تنفع فيما أمكنه أن بتدارك ما فرط فيه بتوبة وعمل صالح واليوم يوم الجزاء لا يوم الرجوع والعمل.
قوله تعالى: " يقول يا ليتني قدمت لحياتي " أي لحياتي هذه وهي الحياة الآخرة أو المراد الحياة الحقيقية وهي الحياة الآخرة على ما نبه تعالى عليه بقوله: " وما هذه الحياة الدنيا