الناس فيه من حيث انقسامهم فريقين: السعداء والأشقياء واستقرارهم فيما أعد لهم من الجنة والنار وتنتهي إلى امره صلى الله عليه وآله وسلم ان يذكر الناس بفنون من التدبير الربوبي في العالم الدالة على ربوبيته تعالى لهم ورجوعهم إليه لحساب أعمالهم.
والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: " هل أتاك حديث الغاشية استفهام بداعي التفخيم والاعظام، والمراد بالغاشية يوم القيامة سميت بذلك لأنها تغشى الناس وتحيط بهم كما قال: " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " الكهف: 47، أو لأنها تغشى الناس بأهوالها بغتة كما قيل، أو لأنها تغشى وجوه الكفار بالعذاب.
قوله تعالى: " وجوه يومئذ خاشعة " أي مذللة بالغم والعذاب يغشاها، والخشوع إنما هو لأرباب الوجوه وإنما نسب إلى الوجوه لان الخشوع والمذلة يظهر فيها.
قوله تعالى: " عاملة ناصبة " النصب التعب و " عاملة " خبر بعد خبر لوجوه، وكذا قوله: " ناصبة " و " تصلى " و " تسقى " و " ليس لهم "، والمراد من عملها ونصبها بقرينة مقابلتهما في صفة أهل الجنة الآتية بقوله: " لسعيها راضية " عملها في الدنيا ونصبها في الآخرة فإن الانسان إنما يعمل ما يعمل في الدنيا ليسعد به ويظفر بالمطلوب لكن عملهم خبط باطل لا ينفعهم شيئا كما قال تعالى: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلنا هباء منثورا " الفرقان: 23 فلا يعود إليهم من عملهم إلا النصب والتعب بخلاف أهل الجنة فإنهم لسعيهم الذي سعوه في الدنيا راضون لما ساقهم إلى الجنة والراحة.
وقيل: المراد أنها عاملة في النار ناصبة فيها فهي تعالج أنواع العذاب الذي تعذب به وتتعب لذلك.
وقيل: المراد أنها عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة.
قوله تعالى: " تصلى نارا حامية " أي تلزم نارا في نهاية الحرارة.
قوله تعالى: " تسقى من عين آنية أي حارة بالغة في حرارتها.
قوله تعالى: " ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع " قيل: الضريع نوع من الشوك يقال له: الشبرق وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس وهو أخبث طعام وأبشعه لا ترعاه دابة، ولعل تسمية ما في النار به لمجرد المشابهة شكلا وخاصة.