وثالثا أن الآيتين معا تفيدان أن الانسان يرى سعادته في الحياة هي التنعم في الدنيا بنعم الله تعالى وهو الكرامة عنده والحرمان منه شقاء عنده والحال أن الكرامة هي في التقرب إليه تعالى بالايمان والعمل الصالح سواء في ذلك الغنى والفقر وأي وجدان وفقدان فإنما ذلك بلاء وامتحان.
ولهم في معنى الآيتين وجوه أخر تركنا التعرض لها لقلة الجدوى.
قوله تعالى: " كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين " ردع لقولهم:
إن الكرامة هي في الغنى والتنعم، وفي الفقر والفقدان هوان ومذلة، والمعنى ليس كما تقولون وإنما إيتاؤه تعالى النعمة وامساكه عنه كل ذلك ابتلاء وامتحان يختبر به حال الانسان من حيث عبوديته.
وفي قوله: " بل لا تكرمون اليتيم " الخ إضراب يؤكد الردع بذكر بعض التنعم الذي لا يجامع الكرامة البتة كعدم إكرامهم اليتيم بأكل تراثه ومنعه منه وعدم التحريض على إطعام المسكين حبا للمال فالفطرة الانسانية لا يرتاب في أن لا كرامة في غنى هذا شأنه.
وفي الاضراب مضافا إلى أصل الردع تقريع ولتشديد هذا التقريع وقع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.
فقوله: " بل لا تكرمون اليتيم " عدم إكرامه حرمانه من تراث أبيه - كما كانوا يحرمون صغار الأولاد من الإرث - وتركه صفر الكف بلغ به الجهد ما بلغ كما تؤيده الآية التالية " وتأكلون التراث " الخ.
وقوله: " ولا تحاضون على طعام المسكين " أصله ولا تتحاضون، وهو تحريض بعضهم بعضا على التصدق على المساكين المعدمين، ومنشأه حب المال كما في الآية الآتية " وتحبون المال " الخ.
قوله تعالى: " وتأكلون التراث اكلا لما " اللم أكل الانسان نصيب نفسه وغيره وأكله ما يجده من دون أن يميز الطيب من الخبيث، والآية تفسير لعدم إكرامهم اليتيم كما تقدم.
قوله تعالى: " وتحبون المال حبا جما " الجم الكثير العظيم، والآية تفسر عدم تحاضهم على طعام المسكين كما تقدم.
قوله تعالى: " كلا إذا دكت الأرض دكا دكا " الدك هو الدق الشديد، والمراد بالظرف حضور يوم القيامة.