تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٥
عليهم أن لا يريدوا إلا ما أراده ربهم ولا يفعلوا إلا ما يرتضيه فقدموا إرادته على إرادة أنفسهم وعملوا له فصبروا على مخالفة أنفسهم فيما تهواه وتحبه وكلفة الطاعة، وعملوا ما عملوه لوجه الله، فأخلصوا العبودية في مرحلة العمل لله سبحانه.
وهذه الصفات هي التي عرف سبحانه الأبرار بها كما يستفاد من قوله: " يشرب بها عباد الله " وقوله: " انما نطعمكم لوجه الله " وقوله: " وجزاهم بما صبروا " وهي المستفادة من قوله في صفتهم: " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله " الخ البقرة: 177 وقد مر بعض الكلام في معنى البر في تفسير الآية وسيأتي بعضه في قوله: " كلا ان كتاب الأبرار لفي عليين " المطففين: 18.
والآية أعني قوله: " ان الأبرار يشربون " الخ بما يتبادر من معناها من حيث مقابلتها لقوله: " انا اعتدنا للكافرين " الخ المبين لحال الكافرين في الآخرة، تبين حال الأبرار في الآخرة في الجنة، وانهم يشربون من شراب ممزوج بالكافور باردا طيب الرائحة.
قوله تعالى: " عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا " " عينا " منصوب بنزع الخافض والتقدير من عين أو بالاختصاص والتقدير أخص عينا، والشرب - على ما قيل - يتعدى بنفسه وبالباء فشرب بها وشربها واحد، والتعبير عنهم بعباد الله للإشارة إلى تحليهم بحلية العبودية وقيامهم بلوازمها على ما يفيده سياق المدح.
وتفجير العين شق الأرض لاجرائها، وينبغي ان يحمل تفجيرهم العين على ارادتهم جريانها لان نعم الجنة لا تحتاج في تحققها والتنعم بها إلى أزيد من مشية أهلها قال تعالى:
" لهم ما يشاؤن فيها " ق: 35.
والآيتان - كما تقدمت الإشارة إليه - تصفان تنعم الأبرار بشراب الجنة في الآخرة، وبذلك فسرت الآيتان ولا يبعد أن تكون الآيتان مسوقتين على مسلك تجسم الأعمال تصفان حقيقة عملهم الصالح من الايفاء بالنذر واطعام الطعام لوجه الله، وان أعمالهم المذكورة بحسب باطنها شرب من كأس مزاجها كافور من عين لا يزالون يفجرونها بأعمالهم الصالحة وستظهر لهم بحقيقتها في جنة الخلد وإن كانت في الدنيا في صورة الأعمال فتكون الآيتان في مجرى أمثال قوله تعالى: " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون " يس: 8.
(١٢٥)
مفاتيح البحث: الطعام (1)، الصبر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»
الفهرست