تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٣
والهداية التي هي نوع ايذان واعلام منه تعالى للانسان هداية فطرية هي تنبيه بسبب نوع خلقته وما جهز به وجوده بإلهام من الله سبحانه على حق الاعتقاد وصالح العمل قال تعالى: " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها " الشمس: 8 وأوسع مدلولا منه قوله تعالى: " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم " الروم: 30.
وهداية قولية من طريق الدعوة يبعث الأنبياء وارسال الرسل وانزال الكتب وتشريع الشرائع الإلهية، ولم يزل التدبير الربوبي تدعم الحياة الانسانية بالدعوة الدينية القائم بها أنبياؤه ورسله، ويؤيد بذلك دعوة الفطرة كما قال: " انا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده - إلى أن قال - رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء: 165.
ومن الفرق بين الهدايتين أن الهداية الفطرية عامة بالغة لا يستثني منها انسان لأنها لازم الخلقة الانسانية وهي في الافراد بالسوية غير أنها ربما تضعف أو يلغو أثرها لعوامل وأسباب تشغل الانسان وتصرفه عن التوجه إلى ما يدعو إليه عقله ويهديه إليه فطرته أو ملكات وأحوال رديئة سيئة تمنعه عن إجابة نداء الفطرة كالعناد واللجاج وما يشبه ذلك قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله " الجاثية: 23، والهداية المنفية في الآية بمعنى الايصال إلى المطلوب دون إراءة الطريق بدليل قوله: " وأضله الله على لم ".
وأما الهداية القولية وهي التي تتضمنها الدعوة الدينية فان من شأنها أن تبلغ المجتمع فتكون في معرض من عقول الجماعة فيرجع إليها من آثر الحق على الباطل وأما بلوغها لكل واحد واحد منهم فإن العلل والأسباب التي يتوسل بها إلى بيان أمثال هذه المقاصد ربما لا تساعد على ذلك على ما في الظروف والأزمنة والبيئات من الاختلاف وكيف يمكن لانسان أن يدعو كل انسان إلى ما يريد بنفسه أو بوسائط من نوعه؟ فمن المتعذر ذلك جدا.
والى المعنى الأول أشار تعالى بقوله: " وان من أمة الا خلى فيها نذير " فاطر: 24، والى الثاني بقوله: " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " يس: 6.
فمن بلغته الدعوة وانكشف له الحق فقد تمت عليه الحجة ومن لم تبلغه الدعوة بلوغا ينكشف به له الحق فقد أدركه الفضل الإلهي بعده مستضعفا أمره إلى الله ان يشأ يغفر
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست