والشكر والشكور ذكر النعمة وإظهارها قلبا أو لسانا أو عملا، والمراد به في الآية وقد قوبل بالجزاء الثناء الجميل لسانا.
والآية أعني قوله: " إنما نطعمكم لوجه الله " الخ خطاب منهم لمن أطعموه من المسكين واليتيم والأسير إما بلسان المقال فهي حكاية قولهم أو بتقدير القول وكيف كان فقد أرادوا به تطييب قلوبهم أن يأمنوا المن والأذى، وإما بلسان الحال وهو ثناء من الله عليهم لما يعلم من الاخلاص في قلوبهم.
قوله تعالى: " إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا " عد اليوم وهو يوم القيامة عبوسا من الاستعارة، والمراد بعبوسه ظهوره على المجرمين بكمال شدته، والقمطرير الصعب الشديد على ما قيل.
والآية في مقام التعليل لقولهم المحكي: " إنما نطعمكم لوجه الله " الخ ينبهون بقولهم هذا أن قصرهم العمل في ابتغاء وجه الله تعالى إخلاصا للعبودية لمخافتهم ذاك اليوم الشديد، ولم يكتفوا بنسبة المخافة إلى اليوم حتى نسبوه نحوا من النسبة إلى ربهم فقالوا: " نخاف من ربنا يوما " الخ لأنهم لما لم يريدوا إلا وجه ربهم فهم لا يخافون غيره كما لا يرجون غيره وإنما يخافون ويرجون ربهم فلا يخافون يوم القيامة إلا لأنه من ربهم يحاسب فيه عباده على أعمالهم فيجزيهم بها.
وأما قوله قبلا: " ويخافون يوما كان شره مستطيرا " حيث نسب خوفهم إلى اليوم فإن الواصف فيه هو الله سبحانه وقد نسب اليوم بشدائده إلى نفسه قبلا حيث قال:
إنا أعتدنا للكافرين سلاسل " الخ.
وبالجملة ما ذكروه من الخوف مخافة في مقام العمل لما يحاسب العبد على عمله فالعبودية لازمة للانسان لا تفارقه وإن بلغ ما بلغ قال تعالى: " إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم " الغاشية: 26.
قوله تعالى: " فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا " الوقاية الحفظ والمنع من الأذى ولقى بكذا يلقيه أي استقبله به والنضرة البهجة وحسن اللون والسرور مقابل المساءة والحزن.
والمعنى: فحفظهم الله ومنع عنهم شر ذلك اليوم واستقبلهم بالنضرة والسرور، فهم ناضرة الوجوه مسرورون يومئذ كما قال: " وجوه يومئذ ناضرة " القيامة: 22.