بأيدي الكفار أو المحبوس أو المملوك من العبيد أو الزوجة كل ذلك تكلف من غير دليل يدل عليه.
والذي يجب أن يتنبه له أن سياق هذه الآيات سياق الاقتصاص تذكر قوما من المؤمنين تسميهم الأبرار وتكشف عن بعض أعمالهم وهو الايفاء بالنذر وإطعام مسكين ويتيم وأسير وتمدحهم وعدهم الوعد الجميل.
فما تشير إليه من القصة سبب النزول، وليس سياقها سياق فرض موضوع وذكر آثارها الجميلة، ثم الوعد الجميل عليها، ثم إن عد الأسير فيمن أطعمه هؤلاء الأبرار نعم الشاهد على كون الآيات مدنية فإن الأسر إنما كان بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وظهور الاسلام على الكفر والشرك لا قبلها.
قوله تعالى: " إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " وجه الشئ هو ما يستقبل به غيره، ووجهه تعالى صفاته الفعلية الكريمة التي يفيض بها الخير على خلقه من الخلق والتدبير والرزق وبالجملة الرحمة العامة التي بها قيام كل شئ، ومعنى كون العمل لوجه الله على هذا كون الغاية في العمل هي الاستفاضة من رحمة الله وطلب مرضاته بالاقتصار على ذلك والاعراض عما عند غيره من الجزاء المطلوب، ولذا ذيلوا قولهم:
" إنما نطعمكم لوجه الله " بقولهم " لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ".
ووراء ذلك صفاته الذاتية الكريمة التي هي المبدء لصفاته الفعلية ولما يترتب عليها من الخير في العالم، ومرجع كون العمل لوجه الله على هذا هو الاتيان بالعمل حبا لله لأنه الجميل على الاطلاق، وإن شئت فقل: عبادته تعالى لأنه أهل للعبادة.
وابتغاء وجه الله بجعله غاية داعية في الأعمال مذكور في مواضع من كلامه تعالى كقوله: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " الكهف:
28، وقوله: " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " البقرة: 272، وفي هذا المعنى قوله:
" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " البينة: 5، وقوله: " فادعوه مخلصين له الدين " المؤمن: 65، وقوله: " ألا لله الدين الخالص " الزمر: 3.
وقوله: " لا نريد منكم جزاء ولا شكورا " الجزاء مقابلة العمل بما يعادله إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا، ويعم الفعل والقول لكن المراد به في الآية بقرينة مقابلته الشكور مقابلة إطعامهم عملا لا لسانا.