تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢٠ - الصفحة ١٢٢
وذكر الانسان في الآية من وضع الظاهر موضع الضمير والنكتة فيه تسجيل أنه تعالى هو خالقه ومدبر أمره.
والمعنى: إنا خلقنا الانسان من نطفة هي أجزاء مختلطة ممتزجة والحال أنا ننقله من حال إلى حال ومن طور إلى طور فجعلناه سميعا بصيرا ليسمع ما يأتيه من الدعوة الإلهية، ويبصر الآيات الإلهية الدالة على وحدانيته تعالى والنبوة والمعاد.
قوله تعالى: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الهداية بمعنى إراءة الطريق دون الايصال إلى المطلوب والمراد بالسبيل السبيل بحقيقة معنى الكلمة وهو المؤدي إلى الغاية المطلوبة وهو سبيل الحق.
والشكر استعمال النعمة بإظهار كونها من منعمها وقد تقدم في تفسير قوله تعالى:
" وسيجزي الله الشاكرين " آل عمران: 144 أن حقيقة كون العبد شاكرا لله كونه مخلصا لربه، والكفران استعمالها مع ستر كونها من المنعم.
وقوله: " إما شاكرا وإما كفورا " حالان من ضمير " هديناه " لا من " السبيل " كما قاله بعضهم، و " إما " يفيد التقسيم والتنويع أي إنا هديناه السبيل حال كونه منقسما إلى الشاكر والكفور أي إنه مهدي سواء كان كذا أو كذلك.
والتعبير بقوله: " إما شاكرا وإما كفورا " هو الدليل أولا: على أن المراد بالسبيل السنة والطريقة التي يجب على الانسان أن يسلكها في حياته الدنيا لتوصله إلى سعادته في الدنيا والآخرة وتسوقه إلى كرامة القرب والزلفى من ربه ومحصله الدين الحق وهو عند الله الاسلام.
وبه يظهر أن تفسير بعضهم السبيل بسبيل الخروج من الرحم غير سديد.
وثانيا: أن السبيل المهدي إليه سبيل اختياري وأن الشكر والكفر اللذين يترتبان على الهداية المذكورة واقعان في مستقر الاختيار للانسان أن يتلبس بأيهما شاء من غير اكراه واجبار كما قال تعالى: " ثم السبيل يسره " عبس: 20، وما في آخر السورة من قوله تعالى: " فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤن الا أن يشاء الله " انما يفيد تعلق مشيته تعالى بمشية العبد لا بفعل العبد الذي تعلقت به مشية العبد حتى يفيد نفي تأثير مشية العبد المتعلقة بفعله، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في هذا الكتاب مرارا.
(١٢٢)
مفاتيح البحث: الشكر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست