له وان يشأ يعذبه قال تعالى: " الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " النساء: 98.
ثم من الدليل على أن الدعوة الإلهية وهي الهداية إلى السبيل حق يجب على الانسان أن يتبعها فطرة الانسان وخلقته المجهزة بما يهدي إليها من الاعتقاد والعمل، ووقوع الدعوة خارجا من طريق النبوة والرسالة فإن سعادة كل موجود وكماله في الآثار والأعمال التي تناسب ذاته وتلائمها بما جهزت به من القوى والأدوات فسعادة الانسان وكماله في اتباع الدين الإلهي الذي هو سنة الحياة الفطرية وقد حكم به العقل وجاءت به الأنبياء والرسل عليهم السلام.
قوله تعالى: " إنا اعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا " الاعتاد التهيئة، وسلاسل جمع سلسلة وهي القيد الذي يقاد به المجرم، وأغلال جمع غل بالضم قيل هي القيد الذي يجمع اليدين على العنق، وقال الراغب: فالغل مختص بما يقيد به فيجعل الأعضاء وسطه. انتهى والسعير النار المشتعلة، والمعنى ظاهر.
والآية تشير إلى تبعة الانسان الكفور المذكور في قوله: " إما شاكرا وإما كفورا " وقدم بيان تبعته على بيان جزاء الانسان الشاكر لاختصار الكلام فيه.
قوله تعالى: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا " الكأس إناء الشراب إذا كان فيه شراب، والمزاج ما يمزج به كالحزام لما يحزم به، والكافور معروف يضرب به المثل في البرودة وطيب الرائحة، وقيل: هو اسم عين في الجنة.
والأبرار جمع بر بفتح الباء صفة مشبهة من البر وهو الاحسان ويتحصل معناه في أن يحسن الانسان في عمله من غير أن يريد به نفعا يرجع إليه من جزاء أو شكور فهو يريد الخير لأنه خير لا لان فيه نفعا يرجع إلى نفسه وإن كرهت نفسه ذلك فيصبر على مر مخالفة نفسه فيما يريده ويعمل العمل لأنه خير في نفسه كالوفاء بالنذر أو لان فيه خيرا لغيره كاطعام الطعام للمستحقين من عباد الله.
وإذ لا خير في عمل ولا صلاح إلا بالايمان بالله ورسوله واليوم الآخر كما قال تعالى:
" أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم " الأحزاب: 19 إلى غير ذلك من الآيات.
فالأبرار مؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، وإذ كان إيمانهم إيمان رشد وبصيرة فهم يرون أنفسهم عبيدا مملوكين لربهم، له خلقهم وأمرهم، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا