على أن رواية ابن عمر للقصة الظاهرة في حضوره القصة وقد هاجر إلى المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة من شواهد وقوع القصة بالمدينة.
وفي الدر المنثور أيضا أخرج النحاس عن ابن عباس قال: نزلت سورة الانسان بمكة.
أقول: هو تلخيص حديث طويل أورده النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ، وقد نقله في الاتقان وهو معارض لما تقدم نقله مستفيضا عن ابن عباس من نزول السورة بالمدينة وأنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام.
على أن سياق آياتها وخاصة قوله: " يوفون بالنذر " " ويطعمون الطعام " الخ سياق قصه واقعة وذكر الأسير فيمن أطعموهم نعم الشاهد على نزول الآيات بالمدينة إذ لم يكن للمسلمين أسير بمكة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
قال بعضهم ما ملخصه: ان الروايات مختلفة في مكية هذه السورة ومدنيتها والأرجح أنها مكية بل الظاهر من سياقها انها من عتائق السور القرآنية النازلة بمكة في أوائل البعثة يؤيد ذلك ما ورد فيها من صور النعم الحسية المفصلة الطويلة وصور العذاب الغليظ كما يؤيده ما ورد فيها من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر لحكم ربه وأن لا يطيع منهم آثما أو كفورا ويثبت على ما نزل عليه من الحق ولا يداهن المشركين من الأوامر التي كانت تنزل بمكة عند اشتداد الأذى على الدعوة وأصحابها بمكة كما في سورة القلم والمزمل والمدثر فلا عبرة باحتمال مدنية السورة.
وهو فاسد اما ما ذكره من اشتمال السورة على صور النعم الحسية المفصلة الطويلة وصور العذاب الغليظ فليس ذلك مما يختص بالسور المكية حتى يقضي بها على كون السورة مكية فهذه سورة الرحمن وسورة الحج مدنيتان على ما تقدمت في الروايات المشتملة على ترتيب نزول السور القرآنية وقد اشتملتا من صور النعم الحسية المفصلة الطويلة وصور العذاب الغليظ على ما يربو ويزيد على هذه السورة بكثير.
واما ما ذكره من اشتمال السورة على امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر وان لا يطيع منهم آثما أو كفورا ولا يداهنهم ويثبت على ما نزل عليه من الحق ففيه ان هذه الأوامر واقعة في الفصل الثاني من آيات السورة وهو قوله: " إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا " إلى آخر السورة ومن المحتمل جدا ان يكون هذا الفصل من الآيات - وهو ذو سياق تام مستقل