بذلك، والمال واحد، أو الشرك والمعاصي في الدنيا والعذاب في الآخرة وهو أوجه الوجوه.
وثانيا: أن حذف جواب إذا للدلالة على أن حالهم بلغت من الجرأة على الله والاستهانة بالحق مبلغا لا يستطاع معها ذكر ما يجيبون به داعي الحق إذا دعاهم إلى التقوى فيجب أن يترك أسفا ولا يذكر، وقد دل عليه بقوله: " وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ".
قوله تعالى: " وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين " المراد بإتيان الآيات موافاتها لهم بالمشاهدة أو بالتلاوة والذكر، وأيضا هي أعم من أن تكون آية آفاقية أو أنفسية، أو تكون آية معجزة كالقرآن، فهم معرضون عنها جميعا.
قوله تعالى: " وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله " إلى آخر الآية كان قوله:
" وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم " متعرضا لجوابهم إذا دعوا إلى عبادة الله وهي أحد ركني الدين الحق، وهذه الآية تعرضت لجوابهم إذا دعوا إلى الشفقة على خلق الله وهو الركن الاخر ومعلوم أن جوابهم الرد دون القبول.
فقوله: " وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله " يتضمن دعوتهم إلى الانفاق على الفقراء والمساكين من أموالهم وفي التعبير عن الأموال بما رزقهم الله إشعار بأن المالك لها حقيقة هو الله الذي رزقهم بها وسلطهم عليها، وهو الذي خلق الفقراء والمساكين وأقام حاجتهم إلى ما عند هؤلاء من فضل المؤن الذي لا يفتقرون إليه فلينفقوا عليهم وليحسنوا وليجملوا والله يحب الاحسان وجميل الفعل.
وقوله: " قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه " جوابهم للدعوة إلى الانفاق، وإنما أظهر القائل - الذين كفروا - ومقتضى المقام الاضمار للإشارة إلى أن كفرهم بالحق وإعراضهم عنه باتباع الشهوات هو الذي دعاهم إلى الاعتذار بمثل هذا العذر المبني على الاعراض عما تدعو إليه الفطرة من الشفقة على خلق الله وإصلاح ما فسد في المجتمع كما أن الاظهار في قوله: " للذين آمنوا " للإشارة إلى أن قائل " أنفقوا مما رزقكم الله " هم الذين آمنوا.
وفي قولهم: " أنطعم من لو يشاء الله أطعمه " إشعار بأن المؤمنين إنما قالوا لهم: