قوله تعالى: " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " المنازل جمع منزل اسم مكان من النزول والظاهر أن المراد به المنازل الثمانية و العشرون التي تقطعها القمر في كل ثمانية وعشرين يوما وليلة تقريبا.
و العرجون عود عذق النخلة من بين الشمراخ إلى منبته وهو عود أصفر مقوس يشبه الهلال، والقديم العتيق.
وقد اختلفت الأنظار في معنى الآية للاختلاف في تركيبها، وأقرب التقديرات من الفهم قول من قال: " إن التقدير والقمر قدرناه ذا منازل أو قدرنا له منازل حتى عاد هلالا يشبه العرجون العتيق المصفر لونه.
تشير الآية إلى اختلاف مناظر القمر بالنسبة إلى أهل الأرض فإن نوره مكتسب من الشمس يستنير بها نصف كرته تقريبا وما يقرب من النصف الاخر غير المسامت للشمس مظلم ثم يتغير موضع الاستنارة ولا يزال كذلك حتى يعود إلى الوضع الأول ويعرض ذلك أن يظهر لأهل الأرض في صورة هلال ثم لا يزال ينبسط عليه النور حتى يتبدر ثم لا يزال ينقص حتى يعود إلى ما كان عليه أوله.
ولاختلاف صوره آثار بارزة في البر والبحر وحياة الناس على ما بين في الأبحاث المربوطة.
فالآية الكريمة تذكر من آية القمر أحواله الطارئة له بالنسبة إلى الأرض وأهلها دون حاله في نفسه ودون حاله بالنسبة إلى الشمس فقط.
ومن هنا لا يبعد أن يقال في قوله تعالى: " والشمس تجري لمستقر لها " أن المراد بقوله: " تجري " الإشارة إلى ما يعطيه ظاهر الحس من حركتها اليومية والفصلية والسنوية وهي حالها بالنسبة إلينا، وبقوله: " لمستقر لها " حالها في نفسها وهي سكونها بالنسبة إلى سياراتها المتحركة حولها كأنه قيل: وآية لهم أن الشمس على استقرارها تجري عليهم وقد دبر العزيز العليم بذلك كينونة العالم الأرضي وحياة أهله والله أعلم.
قوله تعالى: " لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون " لفظة ينبغي تدل على الترجح ونفي ترجح الادراك من الشمس نفي وقوعه منها، والمراد به أن التدبير ليس مما يجري يوما ويقف آخر بل هو تدبير دائم غير مختل ولا منقوض حتى ينقضي الاجل المضروب منه تعالى لذلك.