(بيان) لما فرغ من تفصيل آيات التوحيد المشار إليه إجمالا في أول الكلام شرع في تفصيل خبر المعاد وذكر كيفية قيام الساعة وإحضارهم للحساب والجزاء وما يجزى به أصحاب الجنة وما يجازى به المجرمون كل ذلك تبيينا لما تقدم من إجمال خبر المعاد.
قوله تعالى: " ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " كلام منهم وارد مورد الاستهزاء مبني على الانكار، ولعله لذلك جيئ باسم الإشارة الموضوعة للقريبة ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين كثيرا ما كانوا يسمعونهم حديث يوم القيامة وينذرونهم به، والوعد يستعمل في الخير والشر إذا ذكر وحده وإذا قابل الوعيد تعين الوعد للخير والوعيد للشر.
قوله تعالى: " ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون " النظر بمعنى الانتظار، والمراد بالصيحة نفخة الصور الأولى بإعانة السياق، وتوصيف الصيحة بالوحدة للإشارة إلى هوان أمرهم على الله جلت عظمته فلا حاجة إلى مؤنة زائدة، و " يخصمون " أصله يختصمون من الاختصام بمعنى المجادلة والمخاصمة.
والآية جواب لقولهم: " متى هذا الوعد " مسوقة سوق الاستهزاء بهم والاستهانة بأمرهم كما كان قولهم كذلك، والمعنى ما ينتظر هؤلاء القائلون: متى هذا الوعد في سؤالهم عن وقت الوعد المنبئ عن الانتظار إلا صيحة واحدة - يسيرة علينا بلا مؤنة ولا تكلف - تأخذهم فلا يسعهم أن يفروا وينجوا منها والحال أنهم غافلون عنها يختصمون فيما بينهم.
قوله تعالى: " فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " أي يتفرع على هذه الصيحة بما أنها تفاجئهم ولا تمهلهم ان يموتوا من فورهم فلا يستطيعوا توصية - على أن الموت يعمهم جميعا دفعة فلا يترك منهم أحدا يوصي إليه - ولا أن يرجعوا إلى أهلهم إذا كانوا في الخارج من بيوتهم مثلا.
قوله تعالى: " ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون " هذه هي نفخة الصور الثانية التي بها الاحياء والبعث، والأجداث جمع جدث وهو القبر والنسل الاسراع في المشي وفي التعبير عنه بقوله: " إلى ربهم " تقريع لهم لأنهم كانوا ينكرون