ويؤيد ذلك أنه تعالى عبر في مواضع من كلامه عن ورود كل من الليل والنهار عقيب الاخر بإيلاجه فيه فقال في مواضع من كلامه: " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل " الحج: 61 فإذا كان ورود النهار بعد الليل إيلاجا للنهار في الليل اعتبارا كان مفاجأة الليل بعد النهار إخراجا للنهار من الليل اعتبارا.
كأن الليل أطبق عليهم وأحاطت بهم ظلمته ثم ولج فيه النهار فوسعهم نوره وضياؤه ثم خرج منه ففاجأهم الليل ثانيا بانطباق الظلام وإحاطته بما أضاءه النهار ففي الكلام نوع من الاستعارة بالكناية.
ولعل فيما ذكرناه من الوجه كفاية عما أطنبوا فيه من البحث في معنى سلخ النهار من الليل ثم مفاجأة الليل.
قوله تعالى: " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم " جريها حركتها وقوله: " لمستقر لها " اللام بمعنى إلى أو للغاية، والمستقر مصدر ميمي أو اسم زمان أو مكان، والمعنى أنها تتحرك نحو مستقرها أو حتى تنتهي إلى مستقرها اي استقرارها وسكونها بانقضاء أجلها أو زمن استقرارها أو محله.
وأما جريها وهو حركتها فظاهر النظر الحسي يثبت لها حركة دورية حول الأرض لكن الأبحاث العلمية تقضي بالعكس وتكشف أن لها مع سياراتها حركة انتقالية نحو النسر الواقع.
وكيف كان فمحصل المعنى أن الشمس لا تزال تجري ما دام النظام الدنيوي على حاله حتى تستقر وتسكن بانقضاء أجلها فتخرب الدنيا ويبطل هذا النظام، وهذا المعنى يرجع بالمآل إلى معنى القراءة المنسوبة إلى أهل البيت وغيرهم: " والشمس تجري لا مستقر لها " كما قيل.
وأما حمل جريها على حركتها الوضعية حول مركزها فهو خلاف ظاهر الجري الدال على الانتقال من مكان إلى مكان.
وقوله: " ذلك تقدير العزيز العليم " أي الجري المذكور تقدير وتدبير ممن لا يغلبه غالب في إرادته ولا يجهل جهات الصلاح في أفعاله.