واختار لذلك سياق التكلم وحده إلا في جملة اعترض بها في خلال الكلام وهي قوله:
" وإليه ترجعون " وذلك بإجراء الحكم في نفسه بما أنه إنسان أوجده الله وفطره حتى يجري في كل إنسان هو مثله والافراد أمثال فقوله: " وما لي لا أعبد " الخ. في معنى وما للانسان لا يعبد الخ. أيتخذ الانسان من دونه آلهة الخ.
وقد عبر عنه تعالى بقوله: " الذي فطرني " للاشعار بالعلية فإن فطره تعالى للانسان وإيجاده له بعد العدم لازمه رجوع كل ما للانسان من ذات وصفات وأفعال إليه تعالى وقيامه به وملكه له فليس للانسان إلا العبودية محضة فعلى الانسان أن ينصب نفسه في مقام العبودية ويظهرها بالنسبة إليه تعالى وهذا هو العبادة فعليه أن يعبده تعالى لأنه أهل لها.
وهذا هو الذي أشرنا إليه آنفا أن الرجل كان يعبد الله بالاخلاص له لا طمعا في جنة ولا خوفا من نار بل لأنه أهل للعبادة.
وإذ كان الايمان به تعالى وعبادته هكذا أمرا لا يناله عامة الناس فإن الأكثرين منهم إنما يعبدون خوفا أو طمعا أو لكليهما التفت الرجل بعد بيان حال نفسه إلى القوم فقال: " وإليه ترجعون " يريد به إنذارهم بيوم الرجوع وأنه تعالى سيحاسبهم على ما عملوا فيجازيهم بمساوي أعمالهم فقوله: " وإليه ترجعون " كالمعترضة الخارجة عن السياق أو هي هي.
ثم إن الآيتين حجتان قائمتان على إبطال ما احتج به الوثنية وبنوا على ذلك عبادة الأصنام وأربابها.
توضيح ذلك أنهم قالوا: إن الله سبحانه أجل من أن يحيط به حس أو خيال أو عقل لا يناله شئ من القوى الادراكية فلا يمكن التوجه إليه بالعبادة فسبيل العبادة أن نتوجه إلى مقربي حضرته والأقوياء من خلقه كالملائكة الكرام والجن والقديسين من البشر حتى يكونوا شفعاء لنا عند الله في إيصال الخيرات ودفع الشرور والمكاره.
والجواب عن أولى الحجتين بما حاصله أن الانسان وإن كان لا يحيط علما بالذات المتعالية لكنه يعرفه تعالى بصفاته الخاصة به مثل كونه فاطرا له موجدا إياه فله أن يتوجه إليه من طريق هذه الصفات وإنكار إمكانه مكابرة، وهذا الجواب هو الذي