كما نقل عن الرسل المبعوثين إلى الأمم الدارجة لما احتجت أممهم بمثل هذه الحجة " إن أنتم إلا بشر مثلنا " فردتها رسلهم بقولهم: " إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده " إبراهيم: 11 وقد مر تقريره.
بل حكى عنهم أنهم ذكروا للقوم أنهم مرسلون إليهم مأمورون بتبليغ الرسالة ليس عليهم إلا ذلك وأنهم في غنى عن تصديقهم لهم وإيمانهم بهم ويكفيهم فيه أن يعلم ربهم بأنهم مرسلون لا حاجة لهم إلى أزيد من ذلك.
فقوله: " قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " إخبار عن رسالتهم وقد أكد الكلام بإن المشددة المكسورة واللام، والاستشهاد بعلم ربهم بذلك، وقوله: " ربنا يعلم " معترض بمنزلة القسم، و المعنى إنا مرسلون إليكم صادقون في دعوى الرسالة ويكفينا في ذلكم علم ربنا الذي أرسلنا بها ولا حاجة لنا فيه إلى تصديقكم لنا ولا نفع لنا فيه من أجر ونحوه ولا يهمنا تحصيله منكم بل الذي يهمنا هو تبليغ الرسالة وإتمام الحجة.
وقوله: " وما علينا إلا البلاغ المبين " البلاغ هو التبليغ والمراد به تبليغ الرسالة أي لم يؤمر ولم نكلف إلا بتبليغ الرسالة وإتمام الحجة.
قوله تعالى: " قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم " القائلون أصحاب القرية والمخاطبون هم الرسل، والتطير هو التشأم وقولهم: " لئن لم تنتهوا " الخ. تهديد منهم للرسل.
والمعنى: قالت أصحاب القرية لرسلهم، إنا تشأمنا بكم ونقسم لئن لم تنتهوا عن التبليغ ولم تكفوا عن الدعوة لنرجمنكم بالحجارة وليصلن إليكم وليقعن بكم منا عذاب أليم.
قوله تعالى: " قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون " القائلون هم الرسل يخاطبون به أصحاب القرية.
وقوله: " طائركم معكم " الطائر في الأصل هو الطير وكان يتشاءم به ثم توسع واستعمل في كل ما يتشاءم به، وربما يستعمل فيما يستقبل الانسان من الحوادث، وربما يستعمل في البخت الشقي الذي هو أمر موهوم يرونه مبدء لشقاء الانسان وحرمانه من كل خير.