وإنما المهم هو التدبر في حظه من الايمان في هذا الموقف الذي انتهض فيه لتأييد الرسل عليهم السلام ونصرتهم فقد كان على ما يعطيه التدبر في المنقول من كلامه رجلا نور الله سبحانه قلبه بنور الايمان يؤمن بالله إيمان إخلاص يعبده لا طمعا في جنة أو خوفا من نار بل لأنه أهل للعبادة ولذلك كان من المكرمين ولم يصف الله سبحانه في كلامه بهذا الوصف إلا ملائكته المقربين وعباده المخلصين، وقد خاصم القوم فخصمهم وأبطل ما تعلق به القوم من الحجة على عدم جواز عبادة الله سبحانه ووجوب عبادة آلهتهم وأثبت وجوب عبادته وحده وصدق الرسل في دعواهم الرسالة ثم آمن بهم.
قوله تعالى: " اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون " بيان لقوله: " اتبعوا المرسلين " وفي وضع قوله: " من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون " في هذه الآية موضع قوله: " المرسلين " في الآية السابقة إشعار بالعلية وبيانها أن عدم جواز اتباع قائل في قوله إنما يكون لاحد أمرين: " إما لكون قوله ضلالا والقائل به ضالا ولا يجوز اتباع الضال في ضلاله، وإما لان القول وإن كان حقا والحق واجب الاتباع لكن لقائله غرض فاسد يريد أن يتوسل إليه بكلمة الحق كاقتناء المال واكتساب الجاه والمقام ونحو ذلك، وأما إذا كان القول حقا وكان القائل بريئا من الغرض الفاسد منزها من الكيد والمكر والخيانة كان من الواجب اتباعه في قوله، وهؤلاء الرسل مهتدون في قولهم:
لا تعبدوا إلا الله، وهم لا يريدون منكم أجرا من مال أو جاه فمن الواجب عليكم أن تتبعوهم في قولهم.
أما أنهم مهتدون فلقيام الحجة على صدق ما يدعون إليه من التوحيد وكونه حقا، والحجة هي قوله: " وما لي لا أعبد " إلى تمام الآيتين.
وأما انهم لا يريدون منكم أجرا فلما دل عليه قولهم: " ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " وقد تقدم تقريره.
وبهذا البيان يتأيد ما قدمناه من كون قولهم: " ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " مسوقا لنفي إرادتهم من القوم أجرا أو غير ذلك.
قوله تعالى: " وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة - إلى قوله - ولا ينقذون " شرع في استفراغ الحجة على التوحيد ونفي الالهة في آيتين