أشار إليه بقوله: " وما لي لا أعبد الذي فطرني ".
وعن الثانية أن هؤلاء الالهة إن كانت لهم شفاعة كانت مما أفاضه الله عليهم والله سبحانه لا يعطيهم ذلك إلا فيما لا تتعلق به منه إرادة حاتمة ولازمه أن شفاعتهم فيما أذن الله لهم فيه كما قال: " ما من شفيع إلا من بعد إذنه " يونس: 3 أما إذا أراد الله شيئا إرادة حتم فلا تنفع شفاعتهم شيئا في المنع عن نفوذها فاتخاذهم آلهة وعدمه سواء في عدم التأثير لجلب خير أو دفع شر، وإلى ذلك أشار بقوله: " أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمان بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون ".
وتعبيره عنه تعالى بالرحمان إشارة إلى سعة رحمته وكثرتها وأن النعم كلها من عنده وتدبير الخير والشر إليه ويتحصل من هنا برهان آخر على وحدانيته تعالى في الربوبية، إذ لما كان جميع النعم وكذا النظام الجاري فيها، من رحمته وقائمة به من غير استقلال في شئ منها كان المستقل بالتدبير هو تعالى حتى أن تدبير الملائكة لو فرض تدبيرهم لشئ من رحمته تدبيره تعالى وكانت الربوبية له تعالى وحده وكذا الألوهية.
قوله تعالى: " إني إذا لفي ضلال مبين " تسجيل للضلال على اتخاذ الالهة.
قوله تعالى: " إني آمنت بربكم فاسمعون " من كلام الرجل خطابا للرسل وقوله: " فاسمعون " كناية عن الشهادة بالتحمل، وقوله: " إني آمنت بربكم " الخ.
تجديد الشهادة بالحق وتأكيد للايمان فإن ظاهر السياق أنه إنما قال: " إني آمنت بربكم " بعد محاجته خطابا للرسل ليستشهدهم على إيمانه وليؤيدهم بإيمانهم بمرئى من القوم ومسمع.
وقيل: " إنه خطاب للقوم تأييدا للرسل، والمعنى إني آمنت بالله فاسمعوا مني فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك أو المعنى إني آمنت بالله فاسمعوا مني وآمنوا به أو أنه أراد به أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه حيث إنه رآى أنهم بصدد الايقاع بهم. هذا.
وفيه أنه لا يلائمه التعبير عن الله سبحانه بقوله: " ربكم " فإن القوم ما كانوا يتخذونه تعالى ربا لهم وإنما كانوا يعبدون الأرباب من دون الله سبحانه.
ورد بأن المعنى إني آمنت بربكم الذي قامت الحجة على ربوبيته لكم وهو الله سبحانه. وفيه أنه تقييد من غير مقيد.