ويستوي عليهم إنذارك وعدم إنذارك لا يؤمنون والوجه الأول أقرب إلى الفهم.
قوله تعالى: " إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم " القصر للافراد، والمراد بالانذار الانذار النافع الذي له أثر، وبالذكر القرآن الكريم، وباتباعه تصديقه والميل إليه إذا تليت آياته، والتعبير بالماضي للإشارة إلى تحقق الوقوع، والمراد بخشية الرحمن بالغيب خشيته تعالى من وراء الحجاب وقبل انكشاف الحقيقة بالموت أو البعث، وقيل: أي حال غيبته من الناس بخلاف المنافق وهو بعيد.
وقد علقت الخشية على اسم الرحمن الدال على صفة الرحمة الجالبة للرجاء للاشعار بأن خشيتهم خوف مشوب برجاء وهو الذي يقر العبد في مقام العبودية فلا يأمن ولا يقنط.
وتنكير " مغفرة " و " أجر كريم " للتفخيم أي فبشره بمغفرة عظيمة من الله وأجر كريم لا يقادر قدره وهو الجنة، والدليل على جميع ما تقدم هو السياق.
والمعنى: إنما تنذر الانذار النافع الذي له أثر، من اتبع القرآن إذا تليت عليه آياته وما إليه وخشي الرحمن خشية مشوبة بالرجاء فبشره بمغفرة عظيمة وأجر كريم لا يقادر قدره.
قوله تعالى: " إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين " المراد بإحياء الموتى إحياؤهم للجزاء.
والمراد بما قدموا الأعمال التي عملوها قبل الوفاة فقدموها على موتهم، والمراد بآثارهم ما تركوها لما بعد موتهم من خير يعمل به كتعليم علم ينتفع به أو بناء مسجد يصلى فيه أو ميضاة يتوضأ فيها، أو شر يعمل به كوضع سنة مبتدعة يستن بها أو بناء مفسقة يعصى الله فيها.
وربما قيل: إن المراد بما قدموا النيات وبآثارهم الأعمال المترتبة المتفرعة عليها وهو بعيد من السياق.
والمراد بكتابة ما قدموا وآثارهم ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الامام المبين